بنيس: ترجمة التوجيهات الملكية والملف الاجتماعي محور الدورة البرلمانية المقبلة

بنيس: ترجمة التوجيهات الملكية والملف الاجتماعي محور الدورة البرلمانية المقبلة عبد الحي بنيس
بافتتاح دورة أكتوبر الخريفية، الجمعة المقبلة، وهي السنة الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة للبرلمان، يكون قد مرت 55 سنة، على أول تجربة نيابية يعرفها المغرب المستقل والتي انطلقت بتاريخ 18 نونبر 1963.
وقد جرت العادة أن يوجه جلالة الملك محمد السادس خلال ترأس جلالته لافتتاح الدورة الخريفية للبرلمان خطابا ساميا، يتضمن عدة توجيهات ورسائل لأضاء المؤسسة التشريعية، بخصوص العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تستأثر بانشغالات المواطنات والمواطنين.
وإذا كانت هذه الدورة ستتميز فضلا مناقشة مشروع القانون المالي والمشاريع المحالة علي غرفتي البرلمان،بالإسراع في الانكباب على الملفات ذات الطبيعة الاجتماعية، خاصة ما يهم قانون إطار منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي والتكوين ومجالات الصحة والسكن وتشغيل الشباب.
أنه يلاحظ أن انعقادهذه الدورة يتزامن مع الخطابين الساميين الأخيرين لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، وهو ما سيشكل بلا شك، إطارا توجيهيا يؤطر عمل البرلمانيات والبرلمانيين بغرفتي البرلمان.
وفي هذا السياق يمكننا التساؤل حول مدى تمكن البرلمان مؤسسة وأفرادا، من ترجمة ما تتضمنه الخطب الملكية السامية ؟ وهل استطاع البرلمان تنزيل التوجيهات الملكية والاضطلاع بكافة الادوار والمهام التي أناطها به دستور 2011؟ وهل قدمت الممارسة التشريعية لمكونات البرلمانية أغلبية معارضة حصيلة ايجابية متجاوبة مع الخطب الملكية من جهة والانتظارات الشعبية من جهة أخرى؟.
وسنتوقف هنا جوانب من مضامين الخطب الملكية خلال محطات من ترأس جلالته افتتاح البرلمان، والتي كان محورها العمل السياسي والبرلماني والمهام التي يتعين أن يضطلع بها المشرعون والسياسيون، حيث شدد جلالته في 13 أكتوبر 2000 على ضرورة إعادة الاعتبار للعمل السياسي بالمعنى النبيل للسياسة الذي يستحضر مشروعية الطموحات الشخصية والإنسانية، ولكنه يجعل غاية هذا العمل إفراز رجال دولة يتميزون بالدفاع عن مشروع مجتمعي والتفاني في خدمته لا ابتغاء مصلحة شخصية أو فئوية.
وبقدر حرص الملك محمد السادس على تقوية وتحصين دور الأحزاب السياسية، فإن جلالته ما فتئ يعبر بوضوح كامل عن عزمه الأكيد في جعل نزاهة الانتخابات المدخل الأساسي لمصداقية المؤسسات التشريعية مع الحرص على أن تتحمل السلطات العمومية والأحزاب السياسية مسؤولياتها كاملة في توفير الضمانات القانونية والقضائية والإدارية لنزاهة الاقتراع وتخليق المسلسل الانتخابي.
ففي افتتاح السنة التشريعية في ال12 أكتوبر 2001 قال جلالة الملك،إن ضمان نزاهة الاقتراع يظل رهينا بمدى فعالية الأحزاب السياسية باعتبارها الرافد الأساسي للحملة الانتخابية مؤكدا في خطابه السامي في افتتاح دورة أكتوبر البرلمانية سنة 2003، على أن المقاربة الملكية للديمقراطية عنوانها " احترام الإرادة الشعبية، الذي يقتضي نبذ عقلية ديمقراطية المقاعد والالتزام بفضيلة ديمقراطية التنمية".
وهكذا فتقوية دور الأحزاب السياسية، يظل رهينا بتحصين المشهد السياسي الوطني وتحفيز الأحزاب المتجانسة على الاتحاد في أقطاب قوية. وهنا نجد جلالة الملك يؤكد في افتتاح دورة البرلمانية في الثامن من أكتوبر 2004 حرصه الشديد على توطيد التحديث المؤسسي بما يكفل عدم الإضرار بالتعددية الحزبية العشوائية، بالقطبية السياسية الفعالة.
فتأهيل العمل النيابي يرتبط - حسب جلالة الملك – بتجاوز البرلمانية التمثيلية الكلاسيكية إلى البرلمانية العصرية التي ترسخ ممارسة برلمانية مواطنة، ترفض المزايدات السياسوية العقيمة، تكون فضاء لممارسة السياسة باعتبارها فن الممكن ولغة الحقيقة و"المعقول" وليست مجالا للشعبوية والديماغوجية.
فالهدف الأسمى سيظل وفق المقاربة الملكية "تمكين الأحزاب الوطنية من المناعة اللازمة، وتحصين المشهد الحزبي من البلقنة للنهوض بدورها الدستوري على الوجه المطلوب"وهو ما تضمنه خطاب جلالة الملك في افتتاح دورة أكتوبر 2005، فالأحزاب السياسية مطالبة باحترام الناخب ومخاطبته بلغة الوضوح والحقيقة، وإلى اختيار من هم أجدر لتحمل أمانة الانتداب النيابي؟ وأن تقترح أفكارا جديدة وآليات قابلة للتنفيذ في تصديها للقضايا الكبرى للبلاد وأن تجعل تنافسها بين البرامج والمشاريع أكثر من التنافس على المقاعد والمواقع، كما جاء في خطاب جلالة الملك.
فالأحزاب مطالبة ب"تحمل مسؤولياتها في تخليق العملية الانتخابية والسمو بها عن المزايدات العقيمة، وعن الاستعمال اللامشروع للمال والنفوذ مع الترفع عن الحسابات الشخصية والحزبية، وجعل مصلحة الوطن والمواطنين هي العليا" يقول جلالة الملك في افتتاح دورة أكتوبر 2006.
فعضوية البرلمان - يقول جلالة الملك في افتتاح السنة التشريعية في 8 أكتوبر 2010 - ليست امتيازا شخصيا، بقدر ما هي أمانة، تقتضي الانكباب الجاد، بكل مسؤولية والتزام، على إيجاد حلول واقعية، للقضايا الملحة للشعب، إنها بالأسبقية قضايا التعليم النافع، والسكن اللائق، والتغطية الصحية، والبيئة السليمة، وتحفيز الاستثمار، المدر لفرص الشغل، والتنمية البشرية والمستدامة.
إن الانتداب البرلماني، بما هو تمثيل للأمة، هو مهمة وطنية كبرى، وليس ريعا سياسيا.فإن جلالة الملك طالب أيضا في 11 أكتوبر 2013 ، البرلمانين الى استشعار جسامة الأمانة العظمى، التي تستوجب التفاني ونكران الذات، والتحلي بروح الوطنية الصادقة، والمسؤولية العالية في النهوض بمهامهم. وأوضح كذلك، أن مسؤولية ومهام البرلماني هي خدمة المواطن، حيث خاطب جلالته في 14 أكتوبر 2016 قائلا: "إن الهدف الذي يجب أن تسعى إليه كل المؤسسات، هو خدمة المواطن. وبدون قيامها بهذه المهمة، فإنها تبقى عديمة الجدوى، بل لا مبرر لوجودها أصلا.
وإذا كان تدبير شؤون المواطنين، وخدمة مصالحهم ، مسؤولية وطنية، وأمانة جسيمة، لا تقبل التهاون ولا التأخير.لكن جلالة الملك يقول "مع كامل الأسف، يلاحظ أن البعض يستغلون التفويض، الذي يمنحه لهم المواطن، لتدبير الشأن العام في إعطاء الأسبقية لقضاء المصالح الشخصية والحزبية، بدل خدمة المصلحة العامة، وذلك لحسابات انتخابية.وأكد في السياق ذاته، إن الالتزام الحزبي والسياسي الحقيقي، " يجب أن يضع المواطن فوق أي اعتبار، ويقتضي الوفاء بالوعود التي تقدم له، والتفاني في خدمته، وجعلها فوق المصالح الحزبية والشخصية".
إلا أن جلالة الملك نجده يخصص الخطاب الذي ألقاه في افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية من السنة الماضية للحديث عن الحاجيات الملحة للمواطنين والتي حددها جلالته بالخصوص في التنمية المتوازنة والمنصفة.
- عبد الحي بنيس،رئيس المركز المغربي لحفظ ذاكرة البرلمان