حميد عزيز: لا "فونطوم" ولا " فيفا" إسبانيا.. الديمقراطية هي الحل

حميد عزيز: لا "فونطوم" ولا " فيفا" إسبانيا.. الديمقراطية هي الحل حميد عزيز

بالأمس القريب فقط، ثار بعض المغاربة، وتفننوا في جلد اسبانيا بالتاريخ والجغرافيا معا، مستحضرين كل جراح الريف التي لم تندمل بعد.

كانت المناسبة ما تعرضت له عاملات الفراولة (الفريز) من إهانات واغتصاب في ضيعات العبودية المستحدثة... لم تمر سوى شهور قليلة، حتى تناسى هذا البعض أوجاعه، وخرج إلى الشواطئ والشوارع، يلتحف العراء ليلا، في انتظار "فونطوم" قادم من هناك، ليحملهم مجانا إلى جنة الخلد. خرجوا يهتفون "فيفا" إسبانيا.

عاشت الجارة التي لم تعد نارا. ثم وجدوا من بعض الناشطين، من يصبون الزيت على جمر الغضب، دون أن ينتبهوا أو يغفروا لغيرهم الانتباه، إلى هذه السكيزوفرينيا القاتلة. ودون أن يسألوا عن الأسباب الكامنة خلف سطوة الشبح المفاجئة، وخلف هذا الهوى الإسباني الذي بدد الخوف، في لحظات وجعل الحلم على مرمى صرخة تائهة بين أمواج البحر. فجأة تحولت قوارب الموت إلى قوارب لحياة موعودة بالخير... من يحب إسبانيا على حين غفلة، وهي لم تقدم له سوى رحلة مجانية محفوفة بالمخاطر، ووعد ببيع ما لا يباع، يستطيع أن يكره وطنا سلب منه كل شيء، سوى قلب نابض يحب ويكره كما يشاء. لن نلوم شبابنا الذي يبحث عن مجرد فرصة للحياة، لأن الأبواب إليها موصدة هنا بإقفال، تحتاج إلى معجزة لفتحها. ومن يملكون المفاتيح مصرون على بيعها في مزاد الولاءات الرخيصة. لكننا نستطيع أن نلوم نخبا طفت كالزيت على سطح الألم، وهي تعلن بغبائها وفسادها عن نهاية وشيكة، ربما، لمرحلة العبث السياسي الذي طال امده، وبداية مرحلة العبث الشامل بالوطن، بكل مراراته وابعاده الكارثية.. الشباب يبحث عن خلاصه باي ثمن، تماما كما تبحث النخب المزيفة عن خلاصها، مع فارق جوهري، هو أن الشباب لم يسرق وطنا أصبح على وشك أن يضيع في معارك خاسرة.

ما نعيشه اليوم، أصبح أكبر من أن يحتمل، ولا يمكن معالجته بانتظام ورتابة المواعيد الانتخابية المستغبية، والتي لا تبيع غير الوهم. الوطن اليوم في حاجة إلى نخب جديدة، ومشروع مجتمعي جديد، فكل الذي فات أضحى جزءا من المشكلة.. تعبنا من التحالفات والتكتلات الباردة، تعبنا من أن يكون لليسار خمسون وجها، ولليمين مثلها وأكثر. تعبنا من دمى تهز الوسط إلى حيث تؤمر.. وتعبنا أكثر وأكثر من بعض الأوصياء الذين يسعون إلى ملء الفراغ بما هو أشد منه فراغا وهولا..

والخلاصة هي أنه عندما تلتقي إرادة الدولة المخزنية مع إرادة بعض هذه النخب، على قتل السياسة، بمعناها النبيل، فلن يبقى أمام المواطن إلا ركوب موجات اليأس، والعزف على أوتار الفوضى الشعاراتية المفرغة من أي محتوى أو أفق. السياسة التي أصبح يلعنها الكثيرون، هي للمجتمع بمثابة الدم بالنسبة للجسد، إن اشتد فسادها خرب. هناك بالتأكيد خيار بين الفوضى أو استمرار الفساد، لابد أن يجد طريقة إلى ضميرنا الجمعي، في زحمة هذا الواقع المعقد، ولابد أن ينتصر لإرادة التغيير العقلاني.

الديمقراطية هي الحل. وما لا نستطيع تحقيقه بالديمقراطية، نستطيع تحقيقه بالمزيد منها. فمن حسن حظ الشعوب وسوء حظ من يستعبدونه، أنه لا توجد منطقة رمادية لزجة، بين الديمقراطية.