عبد المجيد مومر: المغرب لا يتفاوض مع الإرهاب وعلى البوليزاريو أن يعلم ألا تنازل على مبادرة الحكم الذاتي

عبد المجيد مومر: المغرب لا يتفاوض مع الإرهاب وعلى البوليزاريو أن يعلم ألا تنازل على مبادرة الحكم الذاتي عبد المجيد مومر

يجب الأخذ بعين الاعتبار كل الدلائل والمعطيات الدولية التي تنبهنا إلى تنامي مؤشرات الخطر الإرهابي القادم من الشرق الفارسي إيران وحزب الله في لبنان نحو صحراء شمال أفريقيا، وتورط ميليشيات البوليساريو الحاضنة لجبهة الأبارتايد العرقي والأيديولوجي بمركز تندوف العسكري بالجزائر في الانخراط ضمن أجندات المخطط الإيراني بشكل يمنع المغرب من تدشين مرحلة المفاوضات المباشرة وما تتطلبه من عقلانية سياسية. لاسيما أن ميليشات البوليساريو اختارت التشبث  بمرجعيتها العسكرية وتوسيع دائرة مخططاتها الإرهابية، وهذا ما تبرزه المعلومات الميدانية الدقيقة التي تؤكد استفادة هذه المنظومة الحركية المسلحة "جبهة البوليساريو" من خبرة وعتاد عسكري متطور يهدد السلم و السلام في منطقة صحراء شمال إفريقيا.

وتبعًا للقرار الأممي رقم 2414 الذي أكد على أن الهدف من المسلسل الأممي يكمن في التوصل إلى "حل سياسي واقعي وعملي ودائم، يقوم على التوافق"، فإن السيد المبعوث الأممي، هورست كوهلر، مطالب بالعمل على تكثيف اللقاءات بروح من الدينامية السياسية مع الأطراف، بغية تقريب وجهات النظر وتقديم حل متوافق عليه من الجانبين يطوي ملف النزاع بشكل نهائي. وهذا ما يفرض ضرورة الابتعاد عن كمائن المليشيات المسلحة ومناورات المزايدات الفارغة قصد التأسيس لدينامية جديدة، وبالتالي يجب على جبهة "البوليساريو" أن تظهر المزيد من عناصر  النية الصادقة والرغبة الجادة في التفاوض حول حل متوافق عليه عبر التصريح العلني بالبطلان القانوني لإعلان قيام الدولة المزعومة خارج قرارات الأمم المتحدة ومساطر القانون الدولي، والانضباط لهذه القرارات الأممية التي لا تعترف بما يسمى "الجمهورية العربية الصحراوية".

فالجلوس على طاولة المفاوضات المباشرة مع طرف يرفض اعتماد آليات ووسائل الواقعية الجديدة، طرف أفرزته عقليات الصراع العالمي القديم وسياسات النظام الجزائري التي تدعم الإرهاب منذ أزيد من 40 سنة، وتعمل على رعاية وتسويق أوهام دُويْلة ذات مذهب عنصري يحاول وأد حقوق الفاعلين الحقيقيين، وكذلك باقي المكونات العرقية للثقافة الصحراوية المتعددة الروافد. مذهب ينفي حق السكان المحليين المقيمين بالأرض ذاتها -موضوع النزاع المفتعل- الذين يطالبون بالعدل والديمقراطية قصد ضمان حقهم في اختيار مصيرهم ضمن وطنهم الأم.

لأن كل مفاوض لبيب يُدرك بسهولة أن سلوك المخاتلة غير القانونية والمزايدة السياسوية بالإعلان عن قيام الدولة المزعومة يُفْرِغُ مسلسل المفاوضات من غايات الحل النهائي السياسي المتوافق عليه، كما أكدت عليه توصية مجلس الأمن. وهذا ما يضعنا أمام مفاوضات المُخاتلة الفاشلة التي تحاول جبهة "البوليساريو" الإرهابية التستر خلفها من جديد، والتي لا يمكن تكرار حلقات مُسَلْسَلِها لكي لا تتحول العملية الديبلوماسية الأممية إلى مهزلة تراجيدية تحمل عنوان "تكرار الأخطاء".

فنجاح العمل التفاوضي الدبلوماسي ينطلق من الإرادة القوية والنوايا الحسنة والتسامح المثمر والمراجعات العميقة ثم المُبادرات الديمقراطية القادرة على إيجاد حلول للنزاعات الدولية بالطرق السلمية. كل ذلك  وفق مسار عقلاني نيو-واقعي يعتمد مقاربة الموازنة بين المصالح المتعارضة من أجل كسب رهان السلم و السلام العالمي، ومن أجل سيادة العدل والديمقراطية والتنمية.

ومن باب العدل السياسي وَجَبَ أن يستنير السيد المبعوث الأممي، هورست كوهلر، في مسار التسوية السلمية للنزاع المُفتعل بالوفاء لقيم المدرسة السياسية الواقعية التي صنعتها الحضارة الألمانية الراقية. هذه القيم الديمقراطية التي جعلت من ألمانيا المُوَحَّدَة  قوةً اقتصادية أوروبية رائدة، هي -أيضا- التي تؤكد للأجيال الصاعدة من الشباب الأفريقي أن مبادرة الحكم الذاتي القائمة على ركائز مقاربة سلمية وعادلة تتجسد في تمتيع بعض الجهات المغربية الجنوبية بالحكم الذاتي تحت سيادة الدولة الديمقراطية المُوَحَدَّة، هذه المبادرة الجادة وذات المصداقية تشكل الأساس القانوني المتين والمدخل السياسي العقلاني لإحقاق العدالة والديمقراطية وتحقيق التنمية المتوازنة المنشودة.

فمفهوم الحكم الذاتي كبناء ثقافي ديمقراطي جديد بالمنطقة، يرمي إلى تأمين وحماية مجتمع التنوع البشري من هيمنة وسيطرة المذاهب الاستبدادية التي تنهل من ثقافة شمولية وأيديولوجية أحادية بدائية تعود لأزمنة ثقافية وقانونية بائدة، مناقضة لثقافة الزمن المعاصر وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وإذا كانت أهداف منظمة الأمم المتحدة بصفتها الراعية الرسمية للمفاوضات تسعى نحو ديبلوماسية الحل النهائي المتوافق عليه، فإن الطرح الأقرب -من الناحية القانونية والثقافية والتاريخية- يميل بمكيال العدل والديمقراطية إلى مبادرة الحكم الذاتي تحت سيادة الدولة المغربية الموحَّدة.

فلا داعي للمزيد من مسلسل إزهاق روح الديمقراطية والتنمية في البحث عن أجوبة سوريالية من خلال مفاوضات تسمح بشرعنة إرهاب الحزب الوحيد الذي لم يثبت التاريخ ولا الحاضر جدواه الديمقراطية والتنموية.

إن قيادة حزب البوليساريو لا تملك سيادة قرارها التفاوضي، فهي قيادة تزايد بالواقع الوهمي لدولتها المُعْلَنَة ثم تعود للحديث عن مفاوضات حول تقرير المصير والاستقلال، رغم أنها تعلم علم اليقين أن الفاعلين الحقيقيين -المقيمون على الأرض موضوع النزاع المفتعل- متشبثون بمبادرة الحكم الذاتي ذات الجدية والمصداقية تحت سيادة الدولة المغربية الديمقراطية المُوَحَّدَة. أمَّا كل ما بُنِيَ على باطل فلا يُنتج إلاَّ باطلاً!.

- عبد المجيد مومر الزيراوي، رئيس الاختيار الحداثي الشعبي