مصطفى المنوزي: زمن الثبات على المبدأ لا زمن الاستقرار الممل

مصطفى المنوزي: زمن الثبات على المبدأ لا زمن الاستقرار الممل

لا داعي لنعتنا  بأننا «إصلاحيون»، فلم يسبق لنا أن زعمنا بغير ذلك، ولسنا بثوريين وفق قاموسكم، نحن نمارس التمرين على التغيير، وإن لم نستطع فبالإصلاح، رغم أنه أصعب وأعقد من الانقلاب والثورة، ثم  نخشى  عواقب الثورة وتداعياتها، خاصة أن الثورة كالكلبة تأكل أبناءها عشية الاحتفال بالعقيقة. فلنواجه الفساد أينما كان وحسبما هو كائن، بما فيه فساد التحليل والمعاملة بسوء النوايا، أما الاستبداد فإننا  نؤدي ثمن مناهضته والكفاح من أجل استئصال أسبابه غاليا وبالتقسيط، هنا وهناك.

فلا تزايدوا فالتاريخ لا يتذكر سوى الوثائق والبصمات، أما الحشود فلا وقع لها، رغم أن عصرنا عصر الكتابة الرقمية.. فتبا لمن ترجم البوتيكات بالدكاكين بدل الحوانيت، حيث الحانوتي لا يموت، بل هو من يدفن الناس ويستر نذوبهم التي شقها الزمن الرديء، زمن الاستقرار العبثي.

إن نضالنا الإصلاحي، الذي نتمنى أن يكون منسجما مع مقاربتنا الاعتدالية والواقعية، في ظل هشاشة أحزمتنا الحزبية، التي لم تعد تصلح حتى للنضال داخل المؤسسات، هذا النضال الإصلاحي بمقاربة حقوقية محضة وبأفق سياسي عقلاني يروم  القطع مع أعطاب الماضي، والقطيعة مع فلول الحكم الفردي المطلق، لذلك نحارب محاولات التطبيع مع الخروقات التي تمارسها الدولة باسم مناهضة الجريمة والإرهاب والهجرة غير الشرعية، ولكن في نفس الوقت لن ننساق مع جدول الأعمال الذي تخطه جهات معينة لإلهاء الحقوقيين عن القضايا المجتمعية الكبرى والمصيرية .

فحماية المدافعين عن حقوق الإنسان وضمانات عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ومناهضة الفساد والاستبداد، والديمقراطية والسيادة الوطنية السياسية والمالية والثقافية، والتحرر والتحرير، قضايا مركزية، وأما الباقي فتفاصيل وبهارات قمعية يومية ملازمة لنظام لا ديمقراطي، المهم فيها والواجب هو الوعي بها واستحضارها  كضريبة واجبة تجاه كل منافح عن قيم الحرية والمساواة والعدالة.. ولأن الشيطان يسكن في التفاصيل، فيكفي رجمه بالمواقف العقلانية والاستراتيجية الشاملة بدل السقوط في فخ «المظلومية» بتحويل المناضلين إلى مجرد ضحايا، ينشغلون بمعاناتهم وجراحهم الشخصية ويستجدون عطف الرأي العام بمراكمة بيانات وجداريات العنترية والأسطرة، كالمعلقات السبع، على حائط المبكى.

لذلك وجب التذكير بأن زمننا اجتماعي الآفاق، ولن نساوم جنايات الدولة سياسيا مقابل انفراج عابر وسلم اجتماعي مغشوش النوايا والنتائج، ليظل مطلبنا هو القطيعة القطعية مع الجرائم ضد الإنسانية وأخواتها الجسيمة.

وبالموازاة علينا البحث والتفكير في خطط أجل تقويم قواعد تدبير الشأن العمومي، بالتركيز على الفعل بدل النوايا، فلم يعد مفيدا اجترار ما قاله وما سيقوله الأمناء العامون للأحزاب، من تخوين أو تكفير أو مدح أو تثمين.. ما يهم هو تقييم إرادات تفعيل وسؤال تطبيق القطع مع مظاهر الاستبداد وضمانات عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة وسن استراتيجية عدم الإفلات من العقاب وإقرار الحكامة الأمنية، وتمكين منظومة العدالة من السلطة والاستقلالية، سيظل عالقا كشرط لأي إصلاح عميق، ومدخل ضمن مداخل البناء الديموقراطي.

إنها القضايا التي لا يقربونها، ويعتبرونها من المجال المحفوظ للملك، وهم يعلمون علم اليقين أن لكل ملك من ملوك عهد الاستقلال، شرعيته التي يتميز بها ويستند إليها، وما المطالب المعلقة أعلاه سوى جزء من دفتر تحملات العهد الجديد، بالإضافة إلى تبني المفهوم الجديد للسلطة، والذي بدون تنفيذ مقتضيات صك المصالحة والإنصاف غير المكتمل الفصول، لن نلج عهد المفهوم الجديد للعدل، كأساس للحكم، في منحيين، منحى الإنصاف ومنحى الاعتراف، مما يستدعي الوعي بأن المطلوب، ليس انتخاب رئيس للحكومة، ولكن انتخاب هيأة لها احتكار التشريع والمراقبة على جميع المؤسسات كسلطة قائمة الذات، تقرر في مجال القانون الذي هو دعامة لدولة الحق، أما رئيس الحكومة ومجلسها فاختصاصهما واضح، وهو مساعدة مجلس الوزراء من أجل رد الاعتبار للدولة الاجتماعية، لأن التخلي عن البعد الاجتماعي في السياسة العمومية يقتات من حجم السيادة الوطنية والكرامة الإنسانية.

فلنعطي لكل أمر حجمه الحقيقي، ولنركز على تقييم علاقتنا بالخارج وتداعياتها، فلا رياح الغرب ولا الشرق  صانعة لشخصيتنا الوطنية، ولا هي تبعث حضارتنا بمجرد استيراد الشعارات والشعائر.