في فرنسا بالتحديد التي كان يمكن أن تكون بوابة سعد المجرد نحو العالمية، فتحت أمامه بوابة "الجحيم"، وسرعان ما سقط في "فخ" جريمة اغتصاب بطلتها شابة فرنسية تدعى "لورا بريول"، تفجرت في أكتوبر عام 2016، بعد عام من ماراطون محاكمته، وتحت ضغط الدائرة الكبرى للمتضامنين معه عبر ربوع العالم، أطلق سراح لمجرد في أبريل 2017، مع الإبقاء على سوار إلكتروني يلف ساقه، وذلك بقرار من محكمة الاستئناف في باريس.
إفلات سعد المجرد "المشروط" من "مصيدة" لورا بريول، ربما كان درسا قاسيا لسعد المجرد كي تصبح خطواته محسوبة و"مدروسة"، ليعيد تلميع صورته الفنية "المدّنسة" بجريمة اغتصاب في وطن لا يتساهل مع "المغتصبين"، والمعتدين على "حقوق النساء"، في وطن تحترم فيه استقلالية القضاء الذي يتساوى فيه رئيس دولة وبواب عمارة في احترام الحقوق والقوانين. وفعلا، بعد إطلاق أغنية "LET GO"، تنبّأ عشاق سعد المجرد أن ما حدث لابن الفنانين "نزهة الركراكي" و"البشير عبدو" لم يكن إلا سحابة حزن عابرة مضت إلى حال سبيلها، وطويت إلى الأبد صفحة "لورا بريول" التي لم تقتنع بحكم القضاء الفرنسي ومارست ضغطا إعلاميا رهيبا على سعد المجرد.
لكن سعد المجرد لم يتلق كل تلك "الإشارات" بما يكفي من الحيطة والحذر، ومباشرة بعد صدور كليب "كازابلانكا" الناجح، بمعايير النجاح الجديدة التي تعتمد على عدد المشاهدات بموقع اليوتيوب، تفاجأ الوسط الفني لاعتقال سعد المجرد بسبب تورطه في قضية اغتصاب جديدة أواخر شهر غشت 2018 جرت وقائعها مدينة سان تروبيه الساحلية جنوبي فرنسا، حيث اتُهم من جديد باغتصاب فتاة على شواطئ الريفيرا. وهي جريمة الاغتصاب "الصريحة" الثالثة التي اتهم بها سعد المجرد. الأولى اتهم بها سعد لمجرد في الولايات المتحدة في فبراير 2010، حين اتهمته شابة أمريكية بالاعتداء الجنسي، في محكمة بروكلين العليا، بعد ست سنوات من الحادث، ليسجن في مارس من العام نفسه ويفرج عنه بكفالة، ثم واقعتا "باريس" و"سان تروبيه" الفرنسيتين.
فما حكاية جرائم الاغتصاب التي تلاحق سعد المجرد دون غيره من فناني جيله؟ ربما هذا السؤال طرحه الكثير ممن تضامنوا معه في محنة "لورا بريول"، وأغلبهم سحب تضامنه وفضل التزام الحياد والتفرج في "سقوط" صاروخ سعد المجرد الذي خرج عن مداره الفني ووقع في مستنقع "الاغتصاب". أهم نقطة قوة كان يعتمد عليها "المجرد" هي التضامن الشعبي المنقطع النظير الذي كان يشكل قوة ضغط على القضاء الفرنسي، ثم فريق دفاعه بقيادة المحامي الفرنسي الشهير الملقب بـ "الوحش"، وهو ما كان يمثل دعما معنويا لأسرة سعد المجرد التي وصلتها رسالة التضامن من أعلى هيأة بالبلاد. بعد حالة العود فقد سعد المجرد هذه القوة "الشعبية" الجارفة، لكن الضربة الكبرى تلقاها بعد انسحاب "الوحش" من هيأة دفاعه. ومع ذلك كان القضاء الفرنسي رحيما بسعد المجرد، بعد قرار قاضي الحريات والاحتجاز وضع الفنان المغربي تحت المراقبة القضائية والإفراج عنه بكفالة، كما تم منعه من مغادرة التراب الفرنسي عن طريق تسليم جواز سفره إلى السلطات الفرنسية، ومنعه من الاتصال بالضحية أو الشهود. لكن استمتاع سعد المجرد بهذه الحرية "المشروطة" كانت لفترة قصيرة، بعدها وضعته السلطات القضائية الفرنسية يوم 18 سبتمبر 2018 رهن السجن الاحتياطي، حتى اكتمال التحقيق بعد مثوله أمام قضاة محكمة الاستئناف لمدينة Aix en Provence مما زاد من متاعب المجرد تلك التغريدة التي رفعتها ناشطات في جمعيات حقوقية نسائية عبر موقع "تويتر" تحمل وسم "ماساكتاش"، للمطالبة بوقف بث أغاني سعد المجرد على الإذاعات المغربية، وهو النداء الذي تفاعلت معه القناة الثانية التي قررت عدم إذاعة أغاني سعد المجرد.
سعد المجرد هي حكاية صعود صاروخ مكوكي في الفضاء، سرعان ما خرج عن مساره في سماء تسيجها "النيازك" و"الأجرام السماوية"، فاصطدم بهذه "المطبات"، وها هو الآن بعد رحلة "العودة" و"السقوط"، يجد نفسه محصورا في "قارورة" بأحد السجون الفرنسية.
المجرد لا يمثل "حالة شاذة" في مجال فني اختلت فيه الموازين الموسيقية والأذواق الفنية، أصبحت الجرعات الزائدة للأضواء هي ما تصنع الفارق بين فنان وآخر، وليست قيمة "الأصوات" وسحر "الكلمات" والحضور الفني، لكن بعض هذه الجرعات تكون أحيانا "مسمومة" وقد تقتل صاحبها، لذا كان "المجرد" هو الواجهة الزجاجية الأكثر هشاشة لجيل فني من الشباب، ومن الفنانات والفنانين الذين سقطوا سهوا على الشهرة، معظمهم أساؤوا إلى جيل الرواد ولم يضيفوا إليه إلا العار والفضيحة.