عبد المجيد مومر: الدولة المغربية.. الإنقاذ أو الطوفان!

عبد المجيد مومر: الدولة المغربية.. الإنقاذ أو الطوفان! عبد المجيد مومر

إن تركيب هذا المقال لا يهدف إلى إعادة تشخيص وضع  كارثي مُخْجِل، وإنما هدف المقال المطالبة بصرف شيك دستوري من حق الشباب المغربي. فعندما سطرَّت أحكام الدستور المغربي ضمن تصديره، تكريس اختيار المملكة المغربية الذي لا رجعة فيه، لإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة؛ فهي بذلك سَطرَّت صكَّ تعهد يضمن الحماية الدستورية لكل مغربي ومغربية، و كان هذا الصك بمثابة تعهد لفائدة الشباب بأن يضمن حقه الثابت في الحياة والحرية والكرامة.

واليوم يبدو جليا أن الدولة المغربية تتخلف عن الوفاء بعهودها الدستورية فيما يتعلق بمواطناتها ومواطنيها المُسْتَضْعَفِين، فعوض أن تلتزم الدولة المغربية بهذا التعاقد الأسمى، يبدو أنها أعطت لبنات وأبناء الشعب شيكًا مُسَطَّرًا دون مؤونة.. وهذا ما تؤكده فاجعة التصريح الصادم  لوزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، الذي أعلن فيه "أنه إذا كانت الدولة مُلزَمَة بتَحمل مسؤولياتها في الحفاظ على التماسك الاجتماعي وتلبية الاحتياجات المشروعة للمواطنين، فإنها أضحت غير قادرة على الاستمرار بمفردها في مكافحة الفقر والحد من الفوارق من خلال اللجوء إلى الموارد المالية لميزانية الدولة فقط".

ونحن -كشباب حداثي شعبي- نرفض أن نصدق بأن هناك نقصًا في رصيد خزائن الفرص الثمينة لهذه الأمة. لذا فمن الواجب علينا، بل من حقنا، مطالبة الدولة المغربية بتطبيق أحكام الفصل 40 من الدستور الذي يفرض على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد.

لأنه بعد مرور أزيد من 7 سنوات مازال بنات وأبناء الشعب مُقَيَّدِين بأصفاد وسلاسل التمييز والإقصاء والتهميش واللامساواة وعدم تكافؤ الفرص.. بعد مرور أزيد من 7 سنوات نعيش، نحن بنات وأبناء الشعب، على جزيرة معزولة من البطالة والعيش غير الكريم وسط محيط واسع من الازدهار المادي الذي تستفيد من خيراته أوليغارشية مُسْتَكْبِرَة. بعد مرور أزيد من 7 سنوات نجد الشباب المغربي ما زال محاصراً داخل زاوية ضيقة الأفق ومحدودة الآمال، غارقاً في محيط ظُلُمات المجتمع المغربي. مما دفع البعض منا لاتخاذ الهجرة -بمختلف أوصافها- سبيلا للبحث عن الحياة الكريمة والإشعاع والعطاء والتألق بعيدا عن وطنهم الذي يضل حتما الخاسر الأكبر.

من هنا، نسترسل بتجديد التأكيد على أن الزمن السياسي لا يسمح بالصمت، وأن متاريس الجغرافيا السياسية تفضح البرنامج الحكومي التضليلي لأحزاب تَحْرُس الوهم والفراغ؛ بل تتغاضى عن أخطار الفشل الحكومي في إيجاد السبيل التنموي المغربي الجديد وإنقاذ الاقتصاد الوطني وتدبير أزمة البطالة التي تمتد على طول وعرض مناطق المملكة المغربية. وبالتالي، فإن هذه الحكومة -التي يُخَاصِمُها الشعب المغربي- أصبحت تعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية الوطنية وتدفعها للاصطدام بالشباب المُسَالِم، وذاك ما جعل هذه الحكومة الهجينة تشكل خطرًا حقيقيًا على أمن المغرب القومي، خطرًا ينضاف إلى مخططات الإرهاب الانفصالي ضد الوحدة الترابية للمملكة المغربية. لأنها حكومة دعاة الضلال وخدام الذومالية التي تدفع الشباب المغربي نحو الكفر السياسي بالأمل في التغيير الإيجابي وتُقَوِض ثقته في مؤسسات بلاده .

فلا يمكن أن تستمر حكومة الأحزاب الفاشلة وجوقتها الإعلامية في تقديم المبررات المتكاثرة لاستمرار حالة انعدام الثقة من خلال تكاثر مظاهر التسيب والأخطاء المتعمدة التي لا تساعد على بعث بوادر الأمل والتفاؤل في العملية التنموية عند الأجيال الصاعدة من الشعب المغربي، والتي تنسف -أيضا- مفهوم الإصلاح بما هو مشروع التزام جماعي بمبدأ تخليق الحياة السياسية العامة.

إن الأحزاب السياسية المعنية بنتائج انتخابات السابع من أكتوبر 2016، هذه الأحزاب -ومع انعدام روح الوفاق الوطني بينها- أصبحت عقبة سياسية أمام تشكيل فريق حكومة الإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي، وها نحن نتابع دهاقنة التحريض الحكومي الذين أصبحوا عاجزين عن المشاركة في تسيير أمور الدولة بعيدًا عن منطق المعادلة الصفرية .

فالشباب المغربي يختار المغامرة بحياته ويهاجر غاضباً من عقليات حزبية غير قادرة على تحمل مسؤولياتها السياسية؛ عقليات حزبية لا تعلم عن الديمقراطية التمثيلية إلا غنيمة السلطة واقتسام "الكيك الانتخابي" دون قدرة على الوفاء بعهود برامجها الزائفة. وهذا ما يجعل نتائج الشرعية الانتخابية تتحول إلى مهزلة حكومية كانت أخطر نتائجها هذا الفشل الحكومي في تدبير ملفات التسوية الاجتماعية والتمادي في السياسات اللاشعبية والعجز الحكومي عن استكمال البناء الدستوري الجديد في شقيه الحقوقي والتنموي، ثم أضحت هذه الكوارث التدبيرية مسببات واضحة لأزمة السير غير العادي لباقي المؤسسات الدستورية. وهي كذلك عناوين عميقة لأزمة سياسية، اقتصادية واجتماعية قد تأتي على الأخضر واليابس، لأن هذه الحكومة البئيسة أضحت فاقدة للمصداقية وغير قادرة على الإنجاز المُقْنِع نتيجة تعلق قراراتها بِواقع تَرَاكُبِ المصالح الطاغي داخل مكونات منظومة الأغلبية الحزبية المغربية.

وبالتالي، ها نحن نَتَحَيَّرُ أمام بلاغات المراوغة السياسوية الصادرة عن قيادات الأحزاب المغربية التي تتجاهل مآسي الشباب المغدور، والتي تسعى إلى إظهار الشيء وممارسة نقيضه ضمن صياغة لغوية تطول بتمطيط متعمد يهدف -فقط- إلى تضليل الرأي العام عن مكامن الخلل القاتل ومحاولة تخفيف الضغط الشعبي على الأغلبية الحكومية المُتَمَسِّكَة بثقافة سياسية يصعب فطامها عن غنائم الريع والامتيازات مع التهرب من المسؤولية والخروج على الدستور والقانون.

إنها -كما أشرنا إليه مرارا- أحزاب الحكومة الفاشلة التي تَتَبَجَّحُ بحصولها على "الشرعية الانتخابية"، ثم تتهرب جميعها من المسؤولية السياسية، وتُوهِمُ الرأي العام أن تنفيذ البرنامج الحكومي لم يعد من اختصاصها، بل إنها تشترك مع الشعب في مظلومية خطاب البحث عن جواب لسؤال مُحَيِّر: من يقود الحكومة المغربية؟! وما هو دور الوزراء والوزراء المنتدبين وكاتبات وكتاب الدولة في الإشراف السياسي على ممارسة السلطة وتدبير الشأن العام؟!

- عبد المجيد مومر الزيراوي، رئيس الاختيار الحداثي الشعبي