بورقية: "البولفار" مزيج إيقاعات مغربية – إفريقية وغربية، وهو عيدهم الكبير!!

بورقية: "البولفار" مزيج إيقاعات مغربية – إفريقية وغربية، وهو عيدهم الكبير!! صورة مركبة الباحث عبد الرحيم بورقيا مع إحدى الفرق الموسيقية في مهرجان البولفار

مرت 18 سنة على نشأة مهرجان البولفار، الذي اختتم فعاليات نسخته لهذا الموسم، يوم الأحد 23 شتنبر 2018. وللنبش في ذاكرة هذا المهرجان الشبابي الذي رافقه في الماضي جدل كبير، لابد من العودة إلى سنة 1999، حين انطلاق أول نشاط فني خاص به، بمقر فيدرالية الأعمال اللائكية بالدار البيضاء، المعروفة اختصارا بالحروف الفرنسية LA FOL، وكان المهرجان قد أطلق عليه سابقا اسمTREMPLIN  تحت إشراف جمعية "أكال"، وبدأت فعاليات هذا النشاط على يد 6 فرق موسيقية شبابية مهتمة في الأصل بلون (الراب) وتطور الأمر للانفتاح على ألوان غربية أخرى أكثر تحررا وتطرفا كـ "الهارد روك" و"الميتال"، وبعد قرابة 3 سنوات، ضغط حزب العدالة والتنمية إضافة إلى بعض الأحزاب المحافظة، لإيقاف نشاط هذه المجموعات الشبابية، بدعوى أنها تمسُّ بالمقدسات واتهمها بعض القياديين السياسيين بالانحلال الخلقي والتأثير السلبي على الشباب المغربي، إذ في سنة 2003 تمت مواجهة بعض عناصر هذه الفرق الشبابية بتهمة الانتماء لـ (عبدة الشيطان)، وتم اعتقال بعضهم من منازلهم، فيما وجهت استدعاءات للبعض الأخر، قبل أن يطلق سراحهم بعد ضغط كبير من بعض الفعاليات الحقوقية والجمعوية وبعض الفنانين. بعد هذا الواقعة الراسخة في ذاكرة المهرجان، تغير المسار من "لافول" وصولا إلى مركب COC وملعب RUC بالدار البيضاء، وأصبح هذا المهرجان علامة بارزة للقاء بين الجمهور والشباب المهتمين ببعض الألوان الموسيقية الغربية والأسلوب الموسيقي المعروف بـ (الفيزيون).

"أنفاس بريس" أجرت حوارا مع الباحث المتخصص في علم الاجتماع، عبد الرحيم بورقية، (باحث بالمختبر المتوسطي للسوسيولوجيا بجامعة إيكس مارسيليا بفرنسا والمركز المغربي للعلوم الاجتماعية بالدار البيضاء الذي يديره الاستاذ حسن رشيق)، بحكم أنه يعكف حاليا على إنجاز بحث حول المهرجان، وسبق أن أنجز بحثا في السابق تمحور حول جمهور البولفار، إضافة إلى كونه مهتم ببعض الألوان الموسيقية الغنائية التي يحتضنها المهرجان -كممارس ومتتبع-  ومن الشباب الذين واكبوا هذا اللقاء الشبابي منذ النشأة إلى غاية اليوم..

+ ماذا يمكن أن يضيف مهرجان البولفار للشباب المغربي!؟

- البولفار هو متنفس لفئة واسعة من الشباب المغربي، لأنه يقدم ألوانا موسيقية يهتمون بها ويستمعون لها ويستمتعون بها، وهو كذلك فضاء للتعبير للموسيقيين الشباب الصاعدين، الذين يبحثون عن فرصة لتقديم أنفسهم ومنتوجهم الإبداعي، لقلة أو انعدام الأرضية والمجال وهنا استعير تشبيه موسيقي لفرقة مغربية ZWM تجيد "البانك روك" وتغني بالمغربية: "البولفار هو العيد الكبير".

ويجب أن أشير أن دورة هذه السنة 2018 كانت مناسبة لتكريم روح الكاتب والصحفي والصديق امال سامي، الذي كان من المرافقين والمدافعين عن البولفار..

+ هناك من يرى أن الألوان الموسيقية، التي تقدم في هذا المهرجان دخيلة وغير منسجمة مع ثقافة وأعراف وتقاليد المغاربة، بل وتخدم فقط ألوانا غربية وتزيد في إشعاعها واستهلاكها من طرف الشباب على حساب هوية وتراث الوطن.. فما هو تعقيبك على هذا الرأي!؟

- يمكن أن أتفق معك أو بالأحرى مع هذا الرأي، إذا تكلمنا عن "الروك" و"الهارد روك"، فقط الألوان الموسيقية، ممكن أن نجزم بأن هذه الألوان الموسيقية، ذات إيقاع غربي، لكن لا يجب أن ننسى أنها تمكن الفنان الشاب، من التعبير عن نفسه و ما يجيش في صدره ويعيشه في واقعه اليومي، بلسان مغربي سواء في "الراب" أو "الهيپ هوپ" او "الروك".. ولو أمعنا النظر أو أنصتنا بانتباه، سنجد أنها ألحان مغربية بايقاع غربي، فمثلا نوع "الفيزيون" الذي حقق ويحقق نجاحا كبيرا، استطاع من خلاله الشباب المغربي ابتكار مزيج موسيقي فني مغربي إفريقي وعربي، وأنتج نوعا موسيقيا متميزا يستأثر بالاهتمام مثلا "الريكي" و"الكناوي" مجتمعين يشكلان أسلوبا ممزوجا بالتراث المغربي، والجاز والراي أو الروك أيضا... هناك مجموعات مرت من البولفار كـ "أماريغ فيزيون" و"كناوة ستورم" و"غانغا فيزيون" و"مازاغان" و"رباب فيزيون" او "اسكوري"، اتخذت من التراث المغربي المنبع والأصل وطوعت الآلات الغربية لإضفاء لون جديد على الموسيقى والأغنية المغربية.

+ بحكم أنك متخصص في علم الاجتماع ومهتم بالموسيقى الغربية ومن المواكبين لمهرجان "البولفار" منذ نشأته وقمت سابقا ببحث ميداني حوله... هل تؤكد أم تنفي مسألة أن بعض المشاركين في هذا المهرجان يقلدون من يطلق عليهم "عبدة الشيطان"!؟

- لا يمكن أن أجيب بالنفي والإيجاب على هذا السؤال، لأنني ببساطة، لم أقم ببحث ميداني جديد حول جمهور "البولفار". آخر بحث كنت قد أنجزته منذ أربع سنوات خلت.. لكن لو قصدت بالمشاركين الفنانين والموسيقيين، سأجيبك قطعا لا وجود لمن أطلق عليهم عبدة الشيطان بينهم، لأنهم مجرد شباب وجدوا أنفسهم في هذا اللون الموسيقي دون غيره، المعروف نمطه الخاص وتفرده في شعاراته والمواضيع التي يتطرق لها. وإذا قصدت التقليد فهذا لا يهم فقط "الهارد روك"، بل نجده في باقي الألوان الموسيقية الشرقية والغربية على السواء، لكن كل عاشق للون موسيقي يعبر عن مستواه، هناك من يفهم المعاني والكلمات والخلفيات وهناك من يقلد دون شك، والبحث الذي قمت به زاخر بقصص طريفة عن بعض محبي الهارد روك، الذين وجدوا أنفسهم صدفة داخل عوالمه، لأن زميلا أو زميلة لهم في الثانوية أو الكلية، يسمع "الميتال" وأراد أن يثير الاهتمام أو المنافسة بالاستماع إلى نوع أصعب أو مجموعة أكثر تطرفا وخشونة.. وأتذكر أنه كان قد طلب مني تسيير وتقديم مداخلة حول "الميتال المغربي" بمعهد "سيرڢانتس" في ربيع 2012، وكان السجال واضحا بين الشباب حول تمثيلية هذا اللون الموسيقي، وكان هناك من يدعو الى حملة "تطهير"، لأن هناك العديد من الدخلاء الذين لا يكتفون سوى بالمظهر. وأعكف على إنجاز بحوث في الموضوع منذ سنوات، وسيأتي الأوان الذي سأفرج فيه عنها، وتهمُّ اهتمامات الشباب المغربي وليس بالضبط "الهارد روك" بل "الراب" و"الفيزيون".

+ كيف يمكن لموسيقى غربية صاخبة يقلدها شباب مغاربة بأسلوب متمرد وشكل جد متحرر أن تساهم في زرع الجمال والإبداع وقيم التسامح والانفتاح في نفوس المشاركين والمتفرجين!؟

- صياغة سؤالك فيها بعض الأحكام المسبقة وأحكام القيمة على الشباب، الذي يقبل على هذا اللون الموسيقي.. وهذا جد مفهوم..

+ (مقاطعا) سؤالي ليس حكما مسبقا، بل فرصة لك كباحث في علم الاجتماع ومواكب للمهرجان وممارس سابقا لبعض ألوانه الموسيقية، لبسط الأثر الإيجابي له على نفوس الشباب المشاركين فيه والمتفرجين ..

- أتفهمك.. الأمر لا ينحصر على الدول المغاربية والعربية، بل يتعداه إلى دول غربية كذلك، لأن رواد ومحبي هذه الموسيقي هم قلة، مقارنة مع الألوان الأخرى الواسعة الانتشار كـ "الپوپ" و"الـراپ"، وسأركز أكثر على التمرد والتحرر، لأنهما من السمات الغالبة لدى الشباب المغربي ليس فقط في "الهارد روك" بل في "الراب" و"الفيزيون" و"الجداريات" التي تؤثث المدن... "الهارد روك" هو مصطلح يشتمل على أنواع متعددة، منها ما هو غير صاخب بتاتا وهناك مجموعات مغربية جديرة بالاهتمام. كل سنة أشاهد مغاربة يتقنون هذا النوع ويضيفون إيقاعات مغربية "شرقية" بالمفهوم الغربي ويسوقون منتوجا مغربيا خالصا، بعيدا عن النمطية والقولبة السائدة، وقد أعجبت مؤخرا بمجموعة "كَوْنْ" شكلا ومضمونا، فبالإضافة إلى الإتقان والتمكن الجيد من هذا اللون وجدت الإيقاعات رائعة والمزيج جيد والكلمات مغربية، كما أعجبت سابقا بـ "شيپ أوف ويسدوم" وقبلهم "زلق ولا موت". وإذا ركزنا على المضمون نجد الكلمات تدافع عن التسامح والكرامة والرقي والحرية بمفهومها الأسمى وليس الانسلاخ والتحرر وفقدان الهوية المغربية، كما تنبذ سلوكيات مشينة كالنفاق والكذب وغياب التربية السليمة، وتدعو أيضا إلى العمل والجد، لرؤية مغرب متقدم، يجد فيه كل مغربي سبل عيش كريم، ومجالا رحبا للإبداع مع التشبث بالهوية المغربية بمختلف منابعها والدفاع عن ثوابتها دون تضييق.