الحسن زهور: ازدواجية الخطاب لدى الإسلاميين فشل للمشروع السياسي والأخلاقي لجماعتهم

الحسن زهور: ازدواجية الخطاب لدى الإسلاميين فشل للمشروع السياسي والأخلاقي لجماعتهم الحسن زهور

يرتكز المشروع السياسي للإسلاميين للوصول إلى السلطة على المشروع الأخلاقي والديني لاستمالة القاعدة الشعبية بمختلف مكوناتها المتعلمة وغير المتعلمة، فالسلطة هي الغاية وهي الوسيلة السياسية القهرية التي يسعون إليها للهيمنة تحت يافطة ارجاع المجتمع إلى رحاب الدين والأخلاق، حسب منظورهم الإيديولوجي. فمرد تخلف المسلمين في نظرهم يعود إلى ابتعادهم عن الدين والأخلاق، لذلك يرتكز مشروعهم هذا على وجوب اسلمة المجتمع وتخليق الحياة الفردية والعامة، حسب مفهومهم الإيديولوجي لهذا التخليق.

لذلك فالخطاب الأخلاقي والديني لديهم هو تكتيك يعتمدون عليه لدغدغة العواطف الدينية للجماهير المقهورة وتجييشها لهذا الهدف السياسي، وغالبا ما ينجح الإسلاميون في تأجيج هذه العواطف، فيكسبون بها بعض المواقع السياسية والاجتماعية. وحين تتساقط منهم بعض الأقنعة أثناء هبوطهم من اليوتوبيا إلى الواقع والممارسة، يلتجئون إلى تجديد الأقنعة الملائمة للطوارئ الجديدة بما فيها من إخفاقات.. لذلك فلكل جماعة أقنعتها الدعوية والسياسية، وكأننا فوق الخشبة يحاول فيها الممثلون بأقنعتهم العاشورائية المختلفة تخويف الجمهور من وحوش وهمية لاستمالته في نهاية العرض إلى هدف النص المسرحي.. وهو هنا عند التيار الإسلامي هدف سياسي هو الوصول إلى السلطة، باعتبارها الأداة القهرية للقضاء على هذه الوحوش. وتبقى الجماهير المستهدفة بهذا الخطاب الديني والأخلاقي جماهير تكبر أو تنقص، حسب القوة العاطفية للخطاب المدغدغ لعواطفها الدينية المتأصلة فيها، وحسب اشتداد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها هذه الجماهير، ويستغلها (أي الأزمات) هذا الخطاب للتجييش.

تخليق الحياة العامة والفردية التي يدعو إليها الإسلاميون كركيزة أساسية في مشروعهم السياسي، سلاح إيديولوجي موجه لخصومهم السياسيين وغير السياسيين من مثقفين وغيرهم، وفي نفس الوقت هو تكتيك سياسي لاستغلاله جماهيريا للوصول الى السلطة.

لكن هل المشروع الأخلاقي السياسي للتيار الإسلامي مشروع أخلاقي يلتزم به دعاته أم تكتيك إيديولوجي لتجنيد الناس والأتباع؟

لمقاربة هذا السؤال، سنقتصر على ثلاث حالات تظهر بوضوح التناقض بين الخطاب وبين الممارسة، كما تفضح ازدواجية هذا الخطاب، أي الخطاب الموجه إلى العامة والممارسة الفردية المتناقضة مع هذا الخطاب عند ابرز دعاة هذا المشروع الأخلاقي.

سنقتصر على ثلاث حالات لشخصيات عامة مشهورة متزعمة لهذا التيار:

- الأولى ممثلة للواجهة الفكرية والتنظيرية من مستوى عال، تتخذ أوروبا العلمانية ساحتها لتلميع هذا صورة هذا التيار.

- الثانية ممثلة للواجهة الدينية والدعوية تقلدت أكبر المهام في الذراع الدعوي للحزب الإسلامي بالمغرب.

- الثالثة المجلس الوطني لهذا الحزب الإسلامي باعتباره البرلمان والمقرر الأعلى للسياسة العامة للحزب.

تتمثل الحالة الأولى في الأستاذ المحاضر في عدة جامعات أوروبية والداعية الإسلامي الشهير، حفيد حسن البنا زعيم الإخوان المسلمين، وهو السيد طارق رمضان، النموذج الأمثل للكثير من الإسلاميين بالمغرب، والمسجون حاليا بفرنسا منذ عدة أشهر للتحقيق معه في تهم العنف الجنسي من شكايات ثلاث من ضحاياه اتهمنه بالاغتصاب. حاول الكثير من الأتباع والمريدين الدفاع عنه بدعوى التصدي للمؤامرة الأوروبية لتشويهه ولضرب الإسلام حسب زعمهم، وقرئ دفاعهم هذا عنه في أوروبا بأنه دفاع عن الاغتصاب وعن الاعتداء الجنسي على النساء، فلو انتظروا حكم القضاء لكان خيرا لهم ولمشروعهم الأخلاقي. وسرعان ما تهاوت نظرية المؤامرة بخروج السيد طارق رمضان مؤخرا باعترافاته الأولى، يعترف فيها باختلائه مع إحدى المشتكيات (اللواتي اتهمنه بالاغتصاب) في إحدى غرف الفندق دون ممارسة الجنس، ونحن نعرف معنى الاختلاء عند حاملي الثقافة الشرقية.

والشخصية العامة الثانية هي داعية مغربي نائب رئيس جمعية دينية مشهورة، تعتبر الذراع الدعوي والإيديولوجي للحزب الإسلامي بالمغرب، ضبط متلبسا مع رفيقته الداعية، الحاملة لنفس المهمة الدعوية في الجماعة، في السيارة على شاطئ البحر، وهما في علاقة حميمية (ولا داعي لذكر الممارسات الأخلاقية  لبعض الزعماء الآخرين وغيرهم من ممثلي هذا المشروع الأخلاقي..).

فإذا كان السيد طارق رمضان المفكر الإسلامي متهم بالاغتصاب من طرف ضحاياه الثلاث (والقضاء هو  الفيصل في هذه القضية)، فإن الحالة الثانية تدخل ضمن الحرية الشخصية للمتلبسين (حرية تكفلها القوانين في الدول الديمقراطية بين شخصين بالغين وبرضاهما)، لكن باعتبارهما شخصيتين عامتين وقياديتين حاملتين للمشروع الأخلاقي والسياسي للجماعة، فمحاكمتهما هي محاكمة للمشروع الأخلاقي والسياسي للجماعة وليست محاكمة لشخصيهما، لان ما قاما به يدخل في خانة الحرية الشخصية لكليهما ما دام ذلك تم بتراض بينهما، مع أنه خيانة للزوجة التي هي صاحبة الحق في تقرير أمرها.

والشخصية الثالثة التي تظهر الازدواجية في الخطاب الأخلاقي للتيار الإسلامي، هو محاولة تيار السيد بنكيران في المجلس الوطني الأخير للحزب المنعقد ببوزنيقة يوم السبت 15 شتنبر 2018 تضمين فقرة في البيان الختامي للمجلس للتضامن مع  الصحافي بوعشرين، المعتقل على خلفية استغلال النفوذ والمال لممارسة نزواته الجنسية على ضحاياه، وكان حريا بهذا التيار الإسلامي انتظار حكم القضاء في الموضوع الذي سينصف السيد بوعشرين أو سينصف ضحاياه من النساء اللواتي مارس عليهن نزواته حسب شكاياتهن. أما التضامن مع الاغتصاب (قبل أن يفصل القضاء في الأمر) تحت شعار "أنصر أخاك مغتصبا"، كما نصر بعض "الفنانين" أخاهم المغتصب في فرنسا، فهذا يدل على ازدواجية الخطاب الأخلاقي لدى الإسلاميين وعلى فشل المشروع الأخلاقي للجماعة، كما فشل مشروعها السياسي.

تلعب الأخلاق، بمفهومها العام، في الأنظمة الديموقراطية والعلمانية دورا هاما في تخليق الحياة العامة والسياسية، وهي سلوك حضاري متجذر في المجتمع وفق ضوابط وسلوكات أخلاقية يخضع لها كل مواطن، ويحاسب عليها كل سياسي ومسؤول حسابا عسيرا، وهي سلوك وممارسة وليست تكتيكا أو برنامجا سياسيا يستغل للوصول إلى المواقع السياسية ولكراسي الحكم.