هل أزمة حراك الريف، من أزمة البوشتاوي والمحدالي؟

هل أزمة حراك الريف، من أزمة البوشتاوي والمحدالي؟ محمد المرابط
كما وعدت في مقال: "حروب التدوينات بين نخبة الريف وسؤال المسؤولية، ستكون مادة اليوم لوقفة مع الأستاذ جمال المحدالي، لتتمة التعقيب عليه. لكن يجمل بي حفاظا على نبل المقاصد، طرح ذلك من خلال رؤية تركيبية تعانق آفاق الكليات، ولا تغرق في سجن التفاصيل. وليكن ذلك من ثلاثة مداخل:
1- خرج مؤخرا محمد أجعوض، من أتباع التنظيم الجمهوري ليوبا الغديوي، ليعبر وهو يتناول "الإعلام وحراك الريف"، عن انزعاجه من نعت تياره بـ "جمهورية اللايف"، فوقف في ذلك على "الجرائد الإكترونية" والتي يعتبرها "جرائد صفراء مخزنية"، ليسمي في سياق إشارته لـ "التحالف بين الدكاكين السياسية ويساريي الإصطبل"، موقع "أنفاس بريس". كما سمى "محمد المرابط الذي يكتب عن الجمهوريين"، لينبري بعد ذلك للدفاع عن الفكر الجمهوري، والتأكيد على أن الحراك يتجاوز حدود الملف المطلبي. وإذا كانت هذه المواقف "سليمة" في الإعراب الجمهوري، فإن موقف الأستاذ المحدالي من "أنفاس بريس" وهو يرد على من خلال تدوينته المعنونة بـ: "في دحض أوهام الانقسامية وعقلية المغالطات" غير بريئ، لدرجة جعلت أحد المتفاعلين مع تدوينته وهو يستصغر مقالي موضوع الرد، يطالبه بتذييلها بعدم نشرها في هذا الموقع، ومع ذلك تم نشرها. لذلك يظهر أن كاتب هذه السطور و"أنفاس بريس" بالقدر الذي ينزعج منهما الجمهوريون، ينزعج منهما من نحسبهم على التيار الديموقراطي. فأين مكمن الخلل؟
2- سبق أن كتب الأستاذ المحدالي نصا جميلا بعنوان:"الصعود إلى سيدي بوخيار". وما اسو وقفني في هذا النص هو انفتاح الأستاذ جمال على "حج المسكين"، وكذلك رفقة هذا الحج، المكونة من اعزي أحمد الزفزافي والأستاذ محمد المسناوي صاحب موقع "أنوال بريس"، والباحثة الفلسطينية خلود أجارمة المقيمة بهولاندا والمهتمة بالأنتروبولوجية الدينية،التي قالت وهي ترى احتشاد الناس للسلام على اعزي أحمد: "نحن هنا في موسم حج سياسي أكثر منه ديني". ما يهمني لفت الانتباه إليه، هو ذاك "التلازم" بين الحاج الزفزافي والحاج المحدالي. ولعل هذا التلازم هو ما حدا بالمحدالي أن يجعلني في رده، في مواجهة جميعية عائلات المعتقلين وناصر الزفزافي ووالده. وهنا أنبه إلى أن الحراك عانى من تلازم ناصر الزفزافي والأستاذ البوشتاوي، الذي أصبح الآن أقرب ما يكون للطرح الجمهوري في أوروبا. وسيعاني الحراك من تلازم الزفزافي الأب والمحدالي، ما لم يستوعب هذا الأخير حدود مقتضى مهمته داخل جمعية تافرا، واستثمار رصيده النضالي والثقافي من أجل تجاوز آثار "الانقسامية" التي تترصد كل جهود التجميع. ولا معني لقوله بأنني في استعمال مصطلح "الانقسامية"، أنني متأثر بمفاهيم الأنثروبولوجيا الاستعمارية، والحال أنه سبق أن قلت بأنني في معرفة مزاج أهلي في الريف، لست في حاجة لأقرأ أوغست مولييراس في "اكتشاف الريف"، ولا دافيد هارت في"آيث ورياغر". وأتمنى أن يعطينا توصيفا مناسبا لحالة "الريفوبليك" / الاحتراب التي نعيشها اليوم، لدرجة أن حجم معاناة ذلك، جعلت بعض الورياغليين في أوروبا يتبرأون من"الطبيعة" الريفية. لذلك على الأستاذ المحدالي الانخراط في معالجة الظاهرة، عوض نفيها والسقوط بوعي أو بدونه في تغذيتها.
3- وفي مجال الحفريات الأنتروبولوجية، أقف في مقال للأخ الأستاذ فؤاد الغلبزوري حول سيدي امنحد أوموسى بأيت هيشم،على أنه في هذه الزاوية، عقد محمد بن عبد الكريم الخطابي مؤتمرا "في بدايات حرب الريف التحريرية، حضره زعماء قبيلة أيت ورياغل وبقيوة وأيت عمارت وتركيست". وكان يعقد بهذه الزاوية موسم كبير بمناسبة المولد النبوي تحضره "وفود من أيت قمرة وأيت بوعياش وإزفزافن وتماسينت وأجدير وتمسمان وغيرها"، وأن حفيد سيدي أمحند، "سيدي مسعود أشار على ساكنة إزفزافن بالسكن في تلك المنطقة التي ظلوا يتواجدون فيها لحد الأن، وربما لهذا السبب كانوا كثيرا ما يقصدون في موكب عظيم يسبقه الشيوخ والأطفال، ضريح هذا الولي الصالح وجده، سيما في شهري أكتوبر ومارس من كل سنة للتبرك بهما، والتضرع إلى الله لإغاثتهم بالمطر".
هذه العلاقة التاريخية لإزفزافن بالشرفاء الغلبزوريين من إمرابضن، وما تمليه من ضرورة التجاوب مع الوساطات التقليدية أيضا،وبالنظر إلى لعبة التنسيق بين الأستاذين أمزيان والمحدالي للرد علي، فإن انشغال جمال أمزيان بالأنتروبولوجيا تملي عليه من منطلق القرب، زيارة زاوية سيدي يوسف ليوقد شمعة بضريحه وضريح سيدي امنحد"الجبار"، لأنه كان يجبر الخصومة الفردية والجماعية، لعل الأولياء في اجتماعهم في "الديوان" وهم يتداولون في السياسة الوقتية، أي عرق من عروق شجرته سيبقون عليه؟ أما الأستاذ المحدالي فاعتبره محكوما بمنطق جامع الانتماء الديموقراطي المشترك، فضلا عن كون امتداداتي العائلية تجعلني أيضا من عائلات المعتقلين وهذا أمر يستوجب منه خفض الجناح، لا الحديث بمعجم "السنطيحة".
لم أشأ أن أرد من موقع السجال، بل من موقع استدعاء التاريخ بالأساس، والإحاطة النسقية بعمق الإشكال. لذلك بقيت جولة أخرى مع الأستاذ المحدالي، وسأطوي هذا العارض، في طريق مطارحة أولويات حل ملف الحراك.