محمد المرابط: حروب التدوينات بين نخبة الريف وسؤال المسؤولية!

محمد المرابط: حروب التدوينات بين نخبة الريف وسؤال المسؤولية! محمد المرابط

أجدني اليوم في مقام للكتابة دقيق، على إثر مقالي: "هل يحمل تحامل المحدالي على التدموري دلالة سياسية في معادلة حراك الريف؟". فقد رد عليه  الأستاذ جمال أمزيان بتدوينتين نشرتهما "أنفاس بريس" تحت عنوان: "جمال أمزيان يدشن الانقسامية بين نخبة الريف بشأن الحراك"، ليتخذ الأستاذ جمال المحدالي من هذا العنوان  قميص عثمان لأمور أخرى، فحرر تدوينة بعنوان: "في دحض أوهام الانقسامية وعقلية المغالطات"، اختارت "أنفاس بريس" لتقديم نشرها، عنوان: "جمال المحدالي على خط التقاطب السياسي في ملف حراك الريف". ولعل هذا الاستهلال يستوجب العودة إلى البداية، حيث سأزاوج في ذلك بين التفاصيل والكليات، حتى لا يخرج هذا الرد عن مقاصده. وبهذا ألج مقاما جديدا في علاقتي بموضوع الحراك. وهنا تكمن دقة الموقف.

لاحظت من خلال تتبع تدوينات بعض الفاعلين، أن هناك تناقضات بينية بدأت تتطاير معها شرارات حارقة، تنذر بحرق الأخضر واليابس، فما كان أن حذرت من تسلل انقسامية أوروبا إلى الداخل من خلال حروب التدوينات. فوضعت تدوينات الأساتذة المحدالي وأمزيان والتدموري في سياقها، عقب مرور هذا الأخير في قناة "ريفيزيون"، وذلك بغاية استيعاب هذا الانفلات. وقلت: "وسيلاحظ القارئ أن تعيين المخاطب من هذه الردود إنما هو من اقتضاء دلالة السياق، أما تلك التدوينات فلم تحمل اسم أي مخاطب". ويبقى الهدف من استنطاق تلك التدوينات، التنبيه إلى مخاطر الانقسامية، ولن يشك أحد في نبل هذا الهدف.

لكن لم يشأ الأستاذان المحدالي وامزيان أن تخضع تدوينتاهما للقراءة، بدعوى أنهما لم يقصدا أحدا، ونحن نعلم أن مواقف مختلف الفاعلين في البلاد تخضع لمختلف التأويلات التي يحتملها السياق. وحتى النصوص الشرعية تخضع استنباطات أحكامها لأسباب النزول والورود. ولعل تعالي الأستاذين بتدوينتيهما فوق سياق إنتاجهما، يضمر بلا شك نزوع الاستبداد والاستعلاء، والتهرب من تحمل المسؤولية الأخلاقية لذلك.

لقد كانت تدوينة الاستاذ المحدالي في تأويلها موجهة لمنتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب وللدكتور التدموري. وإذا لم يقصد ذلك فهي موجهة للتنظيم الجمهوري الريفي المستقل وليوبا الغديوي. أما القول بأنه لم يقصد أحدا فهذا من العبث. في حين اعتبرت تدوينة الأستاذ أمزيان عتابا منه للأستاذ المحدالي، لكنه هو الآخر ادعى أنه لم يقصد أحدا، بل أكثر من هذا لم يكن أمينا في النقل، واعتبر أني قلت أنه تحامل على الأستاذ المحدالي، فأعطى المبرر بذلك لتحامله علي، علما أنني استعملت فعل التحامل كتوصيف فقط لسلوك الأستاذ المحدالي تجاه الدكتور التدموري. ومع رفض الأستاذ امزيان اندراج تدوينته في إطار التوفيق بين المحدالي والتدموري، فهل كانت بخلفية التسديد بين يوبا الغديوي وبوجيبار؟ أما القول بأنه لم يقصد أحدا فهذا من العبث أيضا.

وهكذا نلاحظ أن كبارنا في الريف ألفوا التراشق بينهم بالتدوينات، بدون إحساس بالمسؤولية، فماذا سيفعل صغارنا، وهم يعاينون من هم في مقام القدوة يتهربون من تحمل مسؤولية أفعالهم؟ وهل تسمية الأشياء بمسمياتها المفترضة، يمنح الحق لـ "تخوين" حتى متتبعي الأحداث والوقائع؟

ولعل هذه الوضعية تطرح من جهة انزعاج بعض الأطراف من أمر متابعتي لأمر الحراك، وهم في سعي لتحويله إلى أصل تجاري لا يجوز الاقتراب منه. كما تطرح من جهة أخرى حين يثمر النضال الديموقراطي خيارات التعاقد لدى الدولة، مع من ستجريها وهناك ممن هو طاف منها على السطح لا يتحمل مسؤولية مجرد تدوينته؟ مع العلم أن هناك منها، من لم تنل منه في الالتزام، الأيام. وعلى من يعنيهم الأمر، تصحيح أخطاء تدويناتهم من باب الالتزام الأخلاقي .

وما تبقى من هذا الحيز سألتفت إلى الأستاذ أمزيان وقد تبرأ مني لحزبيتي، أي لانتمائي السياسي لحزب القوات الشعبية. ولكي يعطي المشروعية لهذا التبرؤ استشهد بوصية والده، فأقحم نفسه والمرحوم والده في مسألة ما يسميه ناصر الزفزافي بالدكاكين السياسية. وهذا جانب له تأويلاته بالتأكيد في باب العدمية السياسية، علما أن من مطالب انتفاضة الريف إنشاء حزب للقوات الشعبية. ولعل لغة التعالي التي تعامل بها وبوعيدها مع الأسف تحملني فقط على التذكير، بأنني لما وضعت اسمه ضمن قائمة لوجوه الفضل من نخبة الريف لتحصيل بركتها في الحراك، راعيت في ذلك خلفيته الثقافية، ورمزية اسم أردناه أن يكون حاضرا في تأليف القلوب، فانفتحت عليه. وفي أواسط التسعينيات وفي ظرفية صعبة لأسرة أمزيان كسرت إعلاميا وبالتنسيق مع شقيقه سي محمد، "طابو" الحديث عن المرحوم والده القائد ميس نرحاج سلام. ومؤخرا شاركته صدفة ذكرى رحيله. فهل يكفي أن أقول أنه عاتب بتدوينته صديقه المحدالي، حتى يفقد اتزانه النفسي، فيدوس على منسوب الود تجاه أسرته؟ والحال أنه سبق أن عبر في جلسات استماع الإنصاف والمصالحة عن معاناته حتى مع جحود الأقارب. فمن سيركب على من، ومن سيعتذر لمن؟ "قليلا ما تشكرون".

بقيت لي وقفة مع الأستاذ المحدالي. وأتمنى أن يكون كل الأمر هنا وهناك، مجرد التباسات في الفهم، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. "وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون"!