منعم وحتي: حزب الطليعة هويته اشتراكية وليس بالضرورة إِلْحادِي

منعم وحتي: حزب الطليعة هويته اشتراكية وليس بالضرورة إِلْحادِي علي بوطوالة الكاتب العام لحزب الطليعة (يمينا) ومنعم وحتي

إن الاطلاع على أدبيات حزب الطليعة، وتاريخه المشرف، يمكن أن يُغْنِينا عن شرح بعض أبجديات الانتماء لمدرسة رفاق الشهداء، وتفصيلات هويتهم النظرية والسياسية والتاريخية، ويمكن أن يكون مسموحا وحتى مُحَبّداً لمحيطنا الحزبي ومناصرينا استفسارنا وطلب توضيحات عن مسارنا، وضرورة الإجابة عن جدلية ممارستنا برؤيتنا المذهبية، لكن من غير المُسْتَسَاغِ بالمطلق، أن تكون في أتون الآلة التنظيمية، وعلى دراية تامة بميكانيزمات حركتها ومنطقِ سُيُولَةِ مُقَرَّرَاتِها التنظيمية ونَسَقَ قراراتها وشَكْلَ اتخاذِها، ورغم ذلك تشرب بأريحية من جَدْوَلٍ بِمياهِه الآسنة رغم أن الغدير العذب على مرمى حَجَرٍ، وللتذكير فإن أصوليةَ وجُمودَ النصوص الماركسية وحِفظَها المطلقَ يَقتلُ روحَ تطويرِ الخط التغيري للاشتراكية.

إن تاريخنا شاهد كحركة اتحادية أصيلة، أنه لم يكن لدينا تناقض رئيسي مع التدين أو الدين كمعتقد للأفراد، وكمكون اجتماعي للشعب المغربي، وكنا كحزب في مواجهة المتاجرة بالدين، بل بالعكس شَهِدَت مراحل تاريخية مهمة في سيرورة حزب الطليعة ومنذ الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، أَنْ كان فقهاء جوامع ومؤذنون في مقدمة من ناصروا وضحوا من أجل المشروع الحزبي وإيديولوجيته الاشتراكية التغييرية، ومنهم من وصلت درجة تضحيته لإخفاء السلاح والمناضلين في المساجد وأفنيتها، وبكل وعي بأن مناضلي جيش التحرير و الحزب اختياراتهم ثورية واشتراكية.

إنه فعلاً لَخَلْطُ كبير وتيه نظري أن لا يفرق البعض بين المشروع الاشتراكي التراكمي في تحقيق نظرته الاستراتيجية للقضاء على الاستغلال، وبين الفكر الإلحادي كفلسفة يمكن أن تنهل من مدارس إيديولوجية غير الفكر الاشتراكي، إن الاشتراكية العلمية كما تبنيناها فكر مادي غير متحجر ومنفتح على التجارب والخصوصيات المجتمعية دون التماهي المطلق معها، ربطا للتحليل الملموس بالواقع الملموس، والتعاطي مع الفهم الصحيح لمعطيات المجتمع، دون القفز عليها بشطحات شبه نظرية تحول الاشتراكية من فلسفة للتغيير المجتمعي الإنساني إلى نزوات إلحادية تفرض تصلبها كشرط للانخراط والتحزب وتحمل المسؤولية.

لقد كان الحزب الشيوعي السوداني، نموذجاً خلاقاً، في اكتساحه السياسي، وبقاعدة واسعة من المنتسبين لحزبه والذين يشكل المتدينون أغلبهم، وللتاريخ فإن أغلب انتفاضات الحزب الشيوعي السوداني كانت تخرج من الجوامع وبالآلاف، ولا تَعَارُضَ هناك بين دينامية التغيير الاشتراكي الذي يطرحه الحزب بالسودان وبين شكل الانتفاض ومنخرطيه ولا حتى تدين قيادييه، مادام الفعل والتصور البرنامجي منسجمين. أمثلة كثيرة يمكن سَرْدُها عن المساهمة الفعالة للمتدينين في الانتفاضات والثورات الاشتراكية، لكن المثال النموذجي في هذا السياق والجدير بالدراسة هو لاهوت التحرير بأمريكا اللاتينية، حيث كانت الكنيسة و متدينوها وقَسَاوِسَتُهَا سنداً رئيسيا للحركات الاشتراكية الثورية في مواجهة الديكتاتوريات، ولم يحدث بالبت والمطلق تناقضُ بين حمل الفكر الاشتراكي كتصور وممارسة والتدين كنظرة شخصية للحياة، في تحقيق الاشتراكية لأهدافها ووصول الاشتراكيين للحُكم ثوريا بأمريكا اللاتينية، وحتى عن طريق صناديق الاقتراع استمرت مناصرة المتدينين للوائح الأحزاب الاشتراكية ووصلت ذات الأحزاب لسُدّةِ الحُكْمِ عن طريق الانتخابات ومن ضمن المصوتين عليها جمهور المتدينين.

إن الوضوح والتوضيح كانا دائما دَيْدَنَ الطليعيين، ولن تستطيع محاولات التشويش التي تلتقطها بعض الاقلام النيل من صلابة نضاليتنا، لكننا نتقبل بالمقابل النقد البناء الذي يساهم في تعديل خطواتنا وتصحيح مسارنا، وفي هذا الصدد فالمدرسة الطليعية علمتنا أن لا أحد يعلو على النقد والنقد الذاتي وحتى المحاسبة وفق الضوابط التنظيمية الداخلية وليس خارجها، ولو كان في قيادة الحزب أو في أعلا هرمه التنظيمي، فلوائحنا التنظيمية واضحة ولا استثناءات فيها، وكل الأمور تُدَقَّقُ داخليا في مكانها داخل المؤسسة الحزبية ووفق قِيَمِها وخطها السياسي.