مومر :ديكتاتورية اللاَّيْفَاتْ و فيديوهات التَّجْهِيل المُقَدَّس بالمغرب ؟!

مومر :ديكتاتورية اللاَّيْفَاتْ و فيديوهات التَّجْهِيل  المُقَدَّس بالمغرب ؟! عبد المجيد مومر الزيراوي
لعل كل متتبع لما يروج على وسائل السوشيال ميديا سيصاب بصدمة مرعبة عند رؤية مضمون بعض الأشكال التعبيرية و المواقف التي تتعلق بقضايا وطنية مصيرية . فالصفة الجامعة بين العديد من نقاشات المواقع الرقمية تتجسد في أن العنف اللفظي أصبح الملاذ غير الطبيعي للحوار بين الشباب عند زمن اللايفات التَّجْهِيلِيَّة ، و التي ظهرت معها أعراض الداء العضال الذي يُقَوِّضُ أركان البناء الديمقراطي المغربي .
فَعوض أن يثمر الفضاء الرقمي الحُر تبادلا متوازنا لأفكار عقلانية بناءة و منتجة، أصبحنا نعيش على وقع كارثة " ديكتاتورية اللاَّيْفَاتْ " . و هكذا نجد أن الكثير من البروفايلات الفايسبوكية و العديد من القنوات على اليوتيوب تعيش على إيقاع التنافس في السب و القذف و إدعاء إمتلاك الحقيقة المطلقة و الرابط المشترك بينها رفع شعار "خُوتِي خْوَاتَاتِي كُولْشِي يْبَارْطَاجِي".
و لأن ظواهر مواقع السوشيال ميديا أماطت اللثام على تجارة الترويج لفيديوهات رموز ديكتاتورية التَّجْهِيل المُقَدَّس الذين لا هَمَّ لهم إلاَّ خدمة مخططات غير وطنية أو البحث عن شهرة زائفة أو جني أرباح مادية من خلال استقطاب المشاهدات لِوِجْهَات نظر سطحية فاقدة للدقة و التدقيق .
فإن الواجب الوطني يفرض مواجهة هذا الركام المتناثر من خطابات الحقد و الكراهية التي تنفث سموم العدمية و التيئيس في عقل و وجدان الشباب ، خطابات لا تحمل من صفة المعارضة إلاَّ عوارض الحديث عن جهالة سياسية تُحاول بلوغ "البُوزْ" في نشر الإحباط المؤدي لفقدان شرف الشعور الوطني و تحطيم المناعة المعنوية لأجيال صاعدة ، هذه الأجيال التي فشلت المنظومة الأسرية و التعليمية و الحزبية في الصعود بمستويات إدراكها إلى مقام التمييز بين حرية الفكر و التعبير و إبداء الرأي و بين جرائم السب و القذف و الدَّوْس على كرامة الوطن و تهديد مصالحه العليا.
و لعمري ؛ إن الفئات المستضعفة و المحرومة تظل هي الضحية الأولى لِضَلال ديكتاتورية اللاَّيفَاتْ ، و ها نحن نعاين بالملموس كيف إختلط الحابل بالنابل على رموز فيديوهات التَّجْهِيل المقدس الذين لا يستطيعون إعطاء بدائل سياسية واقعية وحدوية و لا يملكون حلولا علمية-عملية للمشاكل التي ترهق كاهل الفئات المستضعفة و المحرومة.
فَهُمْ لا يملكون غير الإختباء وراء حالات إجتماعية و أحداث مجتمعية و إستغلال مسار الإنفراج الدستوري و الانفتاح التكنولوجي لِتَقْوِيض الثقة في الوطن و نسف الأمل في إحقاق التغيير السياسي السلمي و السليم عبر صناديق الاقتراع العام و من داخل المؤسسات الدستورية.
إن الشباب المغربي الباحث عن السبيل القمين بإحقاق الإنتقال الديمقراطي و الإصلاح التنموي ، تَتَهَدَّدُه مخاطر إستغلال مواقع السوشيال ميديا في التأثير السياسوي "المَخْدُومْ " الذي يشكل خطرا على الديمقراطية و التنمية والأمن القومي. لأن ديكتاتورية اللاَّيْفَاتْ و فيديوهات التَّجْهِيل المقدس جعلت من التكنولوجيا الرقمية -و دورها في تحرير المعلومات- أداة للتحريف و التضليل ، بل عائقا أمام تمكين الشباب من التحصيل الديمقراطي بوسائل الرقي و المعرفة و التحضر.
كما أن العديد من الأصوات المأجورة تسعى بفيديوهَاتِهَا و ممارساتها الإسترزاقية إلى محاولة تفكيك العقل الشعبي بما يخدم مخططات أعداء و خصوم الوطن المغربي ، حيث إستغلت الفضاء الرقمي عبر عدد كبير من البروفايلات الوهمية لتلفيق أخبارها الزائفة و النفخ فيها و الركوب على بعض الوقائع المُدانة قصد إشعال جمر الفتنة داخل الوجدان الشعبي . و كذلك نشر تحليلاتها العدمية التحريضية التي تدفع بالشباب إلى عدم استحضار المعيقات الذاتية و الموضوعية لمسار التنمية و الإصلاح الشاق و العسير.
هذا المسار الذي يستوجب التشبت بالأمل مع تشجيع الشباب على المشاركة المتواصلة في صناعة مستقبل وطنهم من خلال الإبداع في العمل السلمي المتدرج من أجل إستكمال بناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية .
هذا البناء الذي يجب أن ينطلق أولا من ترسيخ شروط الاختيار الحر الواعي والمسؤول المُؤَسَّس على أعمدة المعرفة و التعلم و المُسْتَوْعِب لأبعاد و أفاق المخططات التنموية المتاحة و المُنَاضِل بهدف تطوير آليات و وسائل بلوغها من خلال إجراء مقارنة سليمة بين التكاليف والمردودية المتوقعة لكل من هذه الخيارات.
و على سبيل الختم، نود التأكيد على أنه لا أحد يستطيع إنكار واقع الأزمات التي تخنق حاضر و مستقبل الشباب المغربي ، و قد سبق أن أشرنا إلى ذلك بإسهاب في مقالات كثيرة . إلاَّ أنه لا يمكن لنا أن ندافع عن معالجة الخطأ بخطأ قد يكون النَّاسف لكل الأمال في التغيير الديمقراطي السلمي و إحقاق العدالة الاجتماعية و المجالية .
كما أنه لا يجوز لنا بأي حال من الأحوال شَرْعَنَة تراجيديا بيع الوهم للشباب باستعمال كلمة "حق" يراد منها باطل . فالإصلاح المجتمعي الديمقراطي التنموي السليم يجد أسسه في التشبت بمكارم الأخلاق و العلم و التعلم و التربية على المواطنة و إحترام الآخر، بعيدا عن أوهام ديكتاتورية اللاَّيْفَاتْ و رموز التَّجْهِيل المقدس التي تخرج علينا - في كل حين - بِأَفْكَار هي أغبى من هَوَاتِفِهَا الذكية.
                                                    -عبد المجيد مومر الزيراوي، رئيس الإختيار الحداثي الشعبي