مع اقتراب افتتاح الدورة الخريفية.. أين نحن من تفعيل البرلمانيين للتوجيهات الملكية؟

مع اقتراب افتتاح الدورة الخريفية.. أين نحن من تفعيل البرلمانيين للتوجيهات الملكية؟ الملك محمد السادس خلال افتتاحه لإحدى الدورات البرلمانية

ونحن على بعد أيام قليلة من افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان برسم السنة الجارية، لازال المغاربة يتذكرون بإعجاب وتفاعل وتأثر بليغ، مضامين الآية القرآنية التي وقع اختيارها من سورة "الأنفال" لتكون هذه الآيات البينات من الذكر الحكيم، وكما جرت العادة، خير ما افتتحت بها الدورة التشريعية الأخيرة التي ترأسها الملك محمد السادس.

لقد كان اختيار قوله تعالى في هذه الآيات في دورة أكتوبر الماضية "وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُون" (23) جد موفق لما تحمله من العبر الشيء الكثير وبما ترمز له من دلالات تنطبق على واقع الممارسة السياسية، وهو المبحرين في عوالم الانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية يتقاسمونها ويعلقون على الدلالات العميقة لهذه الآيات الكريمة، يتناولون بالدراسة والتحليل مغزاها وأبعادها مع ربط رسائلها بمستوى الأداء البرلماني في المرحلة الراهنة التي يمر منها مجتمعنا المغربي.

لقد كانت الرسالة واضحة، موجهة إلى المستهترين بالقيام بمهامهم التي انتدبوا من أجلها من البرلمانين بالمؤسسة التشريعية ومن السياسيين خارجها، حيث جاءت تلك الآيات لتزكي وتدعم خطب الملك محمد السادس الذي ما فتئ خلالها يوجه نقدا لاذعا للطبقة السياسية، وينبه إلى ضرورة القيام بأدوارها ويحثها التفاعل مع التحولات المجتمعية ومنها الاستجابة لانتظارات الشباب وتخليق الحياة الحزبية وتحديثها ودمقرطتها. فكم كان سيكون مفيدا إذا ما تم تقييم حصيلة ما تم إنجازه وفق هذه التوجهات منذ آخر دورة برلمانية إلى الدورة المقبلة.

فالحالة التي وصلت إليها الهيئات السياسية، ومناضليها، وبرلمانييها، ووزراؤها، تذكرنا بما نشر في إحدى الجرائد الوطنية خلال شهر ماي 1980 من دعوة لمواطنين بمقاطعة هذا الاستفتاء تمديد الولاية التشريعية للبرلمان لمدة سنتين اثنتين، بحجة "أن مجلس النواب القائم يفتقد الشرعية، وأنه ليس مغشوشا فحسب، وليس مصنوعا في أغلبيته فحسب، بل يعاني من الشلل والعجز وانعدام روح المسؤولية لدى الكثير من أعضائه".

اليوم يحق لنا التساؤل، أين هم أصحاب هذا الكلام؟، وغيره كثير، وهل لازالوا هؤلاء يتشبثون، بمثل هذه الآراء الجريئة حول الشرعية التاريخية، والديمقراطية والفعالية والنجاعة والنزاهة، وشعارات التخليق، مع مرور الأيام والانتقال من مقاعد المعارضة المرهقة إلى مناصب تدبير الشأن العام المريحة منها الحكومية والتمثيلية والإدارية حتى؟.

وفي هذا الصدد، كم سيكون هاما، أن نستحضر ونحن ننتظر بشوق كبير افتتاح دورة أكتوبر 2018 الآيات التالية من سورة "البقرة": "وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ علي مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تولي سعي فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَاد".

مع الأسف الشديد مكنتي التجربة الطويلة داخل ردهات قبة البرلمان، أن أعايش الكثير من ما تنطبق عليهم هذه الآيات، ورأيت بأم عيني كيف كانوا يثقلون أسماعنا بكلام غليظ، لا يؤمنون به البتة ولا يطبقونه في ممارساتهم، والحجة، رأيناهم بعد ذلك حينما تمكنوا من مناصب المسؤولية والقرار كيف غيروا من مبادئهم ومواقفهم وكلامهم حتى أصبحوا عبارة عن دمى وأضحوكة وأعجوبة الزمان.

من هذه النماذج، يحضر ببالي أحد "المناضلين" والقياديين السياسيين والبرلمانيين من صفوف المعارضة، وكان بالمناسبة ناطقا رسميا باسم فريقه النيابي، ثم بعدها وزيرا المهمة التي كانت تنقصه في مساره الطويل، سألته اعتبارا لتجربته وحنكته وخطابته المشهود له بها، عن كيف يجب أن يكون السياسي في نظره؟ فأجابني على التو وبدون كبير تفكير، بجواب لم أنساه أبدا ما دمت حيا هو: "أن السياسي الشاطر، هو الذي وإن تم القبض عليه في حالة تلبس مع زوجة رجل آخر، يقول لهم، إنها جاءته تطلب منه أن يعلمها أمر دينها، فهي لا تعرف كيف تتعامل مع زوجها في هذا الشأن"، يختتم كلامه بعد أن علت على محياه الابتسامة.

ونموذج آخر، لبرلماني كان من فرق الأغلبية، معروفا عليه منافحته في كل مداخلاته داخل قبة البرلمان، عن كل أعمال الحكومة التي يكيل لها المدح والتمجيد لسياساتها وبرامجها، إلا أنه خارج هذه القبة، يتحول إلى معارض شرس وشاكس، ويغير خطابه بـ 180 درجة، خاصة خلال اللقاءات مع نظرائه من البرلمانين في بهو المؤسسة التشريعية، تجده يقول كلاما يضاهي خطابات المعارضة.

وهذا ما دعاني إلى مساءلته، لماذا لم يقول مثل هذا الكلام داخل القاعة، ويأتي نقيضه خارجها؟ فأجابني: بأنه ينتمي للأغلبية، والمفروض في من ينتمي للأغلبية، أن يقول على "امرأة ساقطة" ويعرفها الجميع على أنها باغية، ويدافع عنها ويقنع الجميع بأنها "لم يمسسها أحد، ولا زالت بكر"، وزاد في قوله، أنه يتعين على المنتمي للأغلبية، أن يدافع أمام الملأ على أي قرار ولو كان جائرا، ويظهر محاسنه وإيجابياته وفوائده على المجتمع.

 لقد كان هذا البرلماني قاب قوسين أدنى، أن يصبح وزيرا بعد أن كان اسمه متداولا ضمن التشكيلة الوزارية، فكتب عنه أحد كبار الصحافيين في "حقيقته الضائعة" مقالا نبه فيه الوزراء الذي سيصبحون إلى جانبه في الحكومة المقبلة، "أن يحتاطوا ويخبئوا خواتمهم، حين يريدون السلام عليه" حتى لا يصبحوا بدون خواتم، فكان هذا المقال، حسب ما نشرته الصحافة آنذاك، سببا مباشرا في عدم استوزاره، خاصة وأن بعض الجرائد الوطنية أشارت إلى أنه ضبط لدى عودته في إطار مهمة ضمن وفد برلماني للخارج، وبحوزته إحدى المتعلقات الخاصة بالطائرة. 

وبالمناسبة فإن الحاجة ماسة إلى القيام بتقييم حقيقي لأداء كل برلماني، فيما بين الدورات، حتى يمكن الوقوف عند إلى حد تمثل وتجاوب أعضاء المؤسسة التشريعية مع التوجيهات الملكية التي عادة ما تتضمنها خطب الملك خلال ترأسه لافتتاح البرلمان ودوراته. 

** مختص في التوثيق البرلماني