يخلف:الحق في العدل أقدس من النقد

يخلف:الحق في العدل أقدس من النقد ذ.مصطفى يخلف
عشنا خلال شهر غشت المنصرم، تفي عز فترة الصيف، نقاشا قانونيا ومهنيا حول أزمة العدالة في التلقي أو الإنتاج كما عنونها كلا طرفي المبارزة الفكرية وهما السيد حكيم الوردي، نائب الوكيل العام بمحكمة الاستئناف الجنحية بالبيضاء ليس بهذه الصفة، ولكن بصفته عضو بنادي قضاة المغرب، و الثاني هو السيد النقيب عبد الرحيم الجامعي المحامي بهيئة القنيطرة، ونظرا لأهمية الموضوع وجاذبياته العديدة الروافد لكونه يمس العدل الذي به قامت السماوات والأرض وهو غاية الرسالات الربانية كلها وهو من أسماء الله الحسنى، أدلي بدلوي في هذا النقاش.
وجب التذكير بما هو معلوم للعام والخاص من كون العدل تواطأت على حسنه الشرائع الإلاهية والعقول الحكيمة والفطر السوية منذ الأزل، وحسن العدل وحبه مستقر في نفوس كل المخلوقات بما فيها الإنسان. ولا يمكن الحديث أو التشبث بالعدل دون مراعاة وفهم مصطلحات لها علاقة مباشرة به ومنها الظلم الذي يمثل الإنحراف عن العدل والتصرف في الحق بدون حق. وكذا الإنصاف وهو العدل في القضاء والمعاملة في حدود ما يستحق كل طرف دون تمييز أو محاباة أو ضرر بنفس المنطق والقواعد والأركان وبالمساواة في تطبيق القانون.
وإيمانا من الدولة بأهمية العدل في النفوس، وأثره في المعاملات بين مكونات المجتمع أفرادا وجماعات ومؤسسات، ونتائجه على العلاقات الإنسانية و الاقتصادية والاجتماعية الوطنية والدولية التي ما توقفت على طرق باب النجدة ورفع صوت التشكي من وضع العدل والعدالة بالمغرب ومستواه غير المرضي، وبالأصح غير الشافي لحاجيات المرتفقين أو المظلومين من الوافدين للمحاكم بكل أنواعها العادية والمتخصصة.
ولربما هو الدافع إلى خلق فرصة تاريخية بعد دستور 2011 للنقاش العمومي بدون سقف ولا حدود يخص موضوع العدل والعدالة بالمغرب، كان من أهم نتائجه هو حسم الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة في كون العدالة المغربية مريضة وبحاجة إلى علاج فوري يساعدها على استعادة مقوماتها التي أسست من أجلها وهي عديدة نذكر منها:
* تنظيم علاقة المواطن بالمجتمع والدولة بشكل واضح وبسيط ومفهوم ومقبول للاستيعاب والتطبيق وفق القانون باعتباره أسمى تعبير عن إرادة الأمة.
* ضمان حرية التعبير والمشاركة في بناء الوطن دون أي فوارق مسبقة سوى الامتثال للقانون وتطبيقاته المتساوية بين الأشخاص الذاتيين والاعتباريين بمن فيهم السلطات العمومية.
* حماية الحق في الحياة والسلامة الشخصية للأفراد وأسرهم وأقاربهم وممتلكاتهم.
* تحقيق العدل الذي يقابله نبذ ومحاربة الظلم، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، ان يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وأن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا" سورة النساء الآية 135.
* حماية حقوق الأشخاص و الجماعات و حرياتهم و أمنهم القضائي بالتطبيق السليم للقانون.
ولأن مقياس تحقق العدالة لا يكون مختبريا و إنما يكون بشريا تفاعليا من ذوي الحاجة للعدل والوافدين للمحاكم طالبين بحق أو المدعوين للمواجهة من أجل ذات الحق.
ولكون المرتفق القضائي بشر له إدراك و إحساس ورأي وموقف إنساني معبر عنه، إما بالرضا أو السخط وإما بالقبول أو الرفض للمنتوج القضائي، سواء كان مدعيا أو مدعى عليه أو كان متهما أو ضحية وهما المعادلتان الأبرز في مقياس طرفي النزاع القضائي بشكل عام.
ولمعرفة مدى رضا المرتفق القضائي المغربي من منتوج العدالة فلن نكون بحاجة إلى كثير من التقنيات بل نطلع فقط بشكل سطحي على ما يلي:
* عدد الملفات المسجلة سنويا والعدد المصفى والباقي منها كمخلف؟
* عدد الطعون المقدمة و مآلها و تكلفتها المادية و البشرية؟
* زمن التقاضي و تكلفته مقارنة بمستوى المواطن المعيشي؟
* قيمة الإنتاج القضائي لدى المرتفق القضائي؟
* حصيلة التنفيذ؟
* تأثير المنتوج القضائي على المواطن و المجتمع؟
لتكون النتيجة الختامية ليست وردية بل سلبية صاعقة لكون كلا طرفي المنازعة القضائية في غالبية الأحيان يخرجان من منظومة العدالة بقناعة عدم الرضا على النتيجة المتحصل عليها سواء كانت سلبية أو إيجابية للأسباب التالية:
* تعقيد المساطر القضائية و تشابكها.
* تشتيت القوانين و تنافرها.
* تعطيل الحلول البديلة و المباشرة بدلا من التواجهية.
* غياب الإحساس بأزمة العدل أمام الحاجة والفقر والظروف الاجتماعية غير المساعدة على مواصلة القتال من أجل الدفاع عن الحق أو الحقوق.
* ظهور نماذج التطبيق الغير عادل للقانون بين نفس مكونات المجتمع ونفس النوازل القضائية المشابهة.
* ثقل تكلفة الولوج للعدالة.
* تبخر قيمة الحق مع طول الزمن القضائي.
* حظر تفعيل التنفيذ في مواجهة الأفراد دون المؤسسات وخاصة العامة منها قبل الخاصة.
* كثرة القضايا المعروضة مع ضعف الإمكانيات اللوجيستيكية والبشرية يبطل معنى ومفهوم الكرامة والحق في التقاضي.
* بسط القداسة على المنتوج القضائي وتطبيق آليات التشكي أو التظلم منه في حينه.
* ضعف التغيير للعنصر البشري بالمنظومة.
* ضعف التكوين المستمر.
لذا فإن أي نقاش يخص المنتوج القضائي أو ما اصطلح عليه أزمة تلقي العدالة لن يكون له الأثر المنتظر منه إلا إذا أسس على أسباب أزمة العدالة قبل الهرولة إلى تحصين منتوجاتها، لكون الإصلاح الحقيقي يكون من المصدر المنتج لها، لا من المتلقي الذي هو ضحية الولوج للعدالة بحثا عن العدل و يراد منه أن يكون ضحية تحمل عبء وأزمة إنتاجها وهي نظرية جديدة تستحق مزيدا من النقاش للفهم قبل التطبيق!!؟
وحتى نكون مساهمين إيجابيين في البحث عن الحلول لمعضلة العدالة بالوطن فلابد أن يكون تفكيرنا مؤسسا على التشخيص الحقيقي للأزمة مع تحديد الأهداف المرجوة و المتطلبات الآنية والمستقبلية، لننخرط وفق الآليات القانونية والمؤسسات المختصة في التنزيل الإيجابي للحلول العديدة المقترحة والمعتمدة للإصلاح.
وللتذكير فأزمة العدالة متفرعة حسب التشخيص العام إلى مستويات وهي:
* التخليق.
* السياسة الجنائية.
* النجاعة والفعالية.
* ضعف استراتيجية تدبير العنصر البشري.
* ضعف الميزانية المخصصة للعدل.
* ضعف البنيات التحتية للمحاكم.
* تراجع مستوى المهارات الفردية للعنصر البشري.
* التذبذب في اختيار النظام الأنجع في الممارسة.
أن القضاء كمرفق عمومي تصدر عنه الأحكام والقرارات المطبقة للقانون بغاية حماية حقوق الأفراد والجماعات والمؤسسات وتحقيق لهم الأمن القضائي يعتبر شأنا مجتمعيا لا ينفرد بتحليله أو انتقاد منتوجه أو التعقيب على مقرراته فئة دون أخرى، بل أن الصالح من القول والطرح والمقترح الأنفع للعدل والمجتمع مع الاحترام التام للضوابط والمؤسسات مع التوقير التام لاستقلالية القاضي في البت.
                                                         -مصطفى يخلف، محامي بهيئة المحامين بأكادير