زكاوي: التجنيد الإجباري يحقق مفهوم المواطنة وفق هذه الشروط

زكاوي: التجنيد الإجباري يحقق مفهوم المواطنة وفق هذه الشروط نبيل زكاوي
أولا، تجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من كون مجموعة من الدول ما تزال تعمل بنظام التجنيد الإلزامي وهي الممارسة السائدة لدى الدول النامية عموما،إلا أن التوجه الحديث خاصة لدى الدول المتقدمة ذهب إلى تفضيل التجنيد الطوعي أمام الرغبة في تخفيض حجم القوات العسكرية خاصة أن الجيل الجديد من الحروب يعتمد على التكنولوجيا العسكرية،حيث السيطرة في ميدان المعارك أصبحت لسلاح الجو في مقابل تراجع الحاجة إلى الأعداد الكبيرة من أفراد المشاة. كما أن التجنيد الإلزامي لا ينتج كفاءة عسكرية لأنه يقوم على التدريب المؤقت على خلاف التجنيد الطوعي الذي يقوم على التدريب المستمر، فهو الكفيل فقط بتخريج قوات محترفة قادرة على تشغيل المعدات العسكرية بكفاءة كبيرة.
أما مغربيا وبصرف النظر عن دواعي العودة إلى نظام التجنيد الإلزامي و هل يعكس تغييرا في السياسة الدفاعية للبلاد، لا يمكن إنكار الأهمية المنتظرة للتجنيد في الأمن الداخلي وفي العلاقات الدولية:
فالتجنيد الإلزامي يحقق مفهوم المواطنة، إذ كما للمواطنين جميع الحقوق من حيث المبدأ عليهم جميع الواجبات وفي مقدمتها واجب الدفاع عن الوطن في حالة تعرضه لاعتداء، فقد سبق للولايات المتحدة الأمريكية أن قايضت طموح السود في مواطنة كاملة بانخراطهم في سلك الجندية في الحربين العالميتين.وحتى مغربيا فقد حاول خطاب 20 غشت طمأنة المجتمع خاصة فئة الشباب المعنية بالتجنيد من خلال الإعلان عن سياسة جديدة للشباب لتحفيزه تفاديا لأي استياء في صفوفه نتيجة إلزامه بالتجنيد كما حدث في بعض التجارب المقارنة،حيث عارض الشباب الأمريكي الخدمة العسكرية مع تدخل بلادهم في جنوب شرق آسيا خلال فترة الحرب الباردة لأنه رأى فيها حدا من حريته الشخصية وتعطيلا له عن التقدم في مساره المهني.
كذلك فالتجنيد الإجباري يحقق التمثيل المتساوي للفئات المختلفة في المجتمع على أن لا يتم حصر ذلك في قضية التسوية بين الجنسين في الخضوع للتجنيد كما حاول المشرع المغربي تسليط أضواء التلميع عليه،وإنما ينبغي أن يمتد إلى المساواة بين شباب جميع الطبقات الاجتماعية، بحيث لا ينبغي أن يكرس التجنيد الإلزامي نفس ممارسة التجنيد الطوعي حينما لا ينضم إليه سوى الهامشيون وذووا المكانة الاجتماعية المنخفضة في المجتمع.
ويساهم التجنيد الإلزامي في معالجة ظاهرة الاغتراب بين القطاع المدني الذي يقوم على اتجاهات حرة والقطاع العسكري الذي يقوم على واجب التحفظ وذلك أمام عدم تطابق وجهات النظر بين القوات المسلحة والمجتمع في مجال السياسة الخارجية وحتى السياسة الداخلية،فالمجند لا يلتزم فقط بمجموعة من المهارات القتالية والتقنية الخاصة والتي قد تكون معقدة،لكنه يلتزم أيضا بالخضوع لقوانين دقيقة خاصة بالسلوك الاجتماعي تؤطرها سياسة الهوية التي تسطرها الدولة للمواطن الذي تريد، وهو ما ذهب إليه البعض بتعبير آخر حينما قالوا بأن هدف المغرب من العودة إلى التجنيد الإلزامي هو تنميط الشباب وضمان ولائهم للدولة في الوقت الذي صاروا فيه وقود الحراكات الاجتماعية المتصاعدة.
أخيرا يعزز نظام التجنيد الإلزامي موقف الدولة في الخارج ليس فقط لأنها تواجه تحديات أمنية كما هو شأن التحدي الترابي والحدودي بالنسبة للمغرب، ولكنه يسمح لها طبقا لوجهة نظر علم الاجتماع العسكري بأن تواري سوءة ضعف نموها الاقتصادي لاسيما الصناعي والتكنولوجي.
                                 -نبيل زكاوي، رئيس مركز تفكر للدراسات والـأبحاث الإستراتيجية