الدلالات الثلاث لتأخر بنكيران في تشكيل الحكومة

الدلالات الثلاث لتأخر بنكيران في تشكيل الحكومة

ثلاث دلالات للتأخير في تشكيل الحكومة المرتقبة تبرز نوعية منطق المشاورات الجارية من جهة، وهشاشة فكرة التحالفات والأغلبية من جهة ثانية، وضعف النخبة الحزبية في بلادنا من جهة ثالثة.

على المستوى الشكلي ينبغي استحضار أن التأخير في تكوين الحكومات ليس حالة مغربية فريدة، وليس استثناء. فلقد عرفته تجارب كثيرة سبقتنا في مضمار البناء الديمقراطي كما حدث في بلجيكا، إسبانيا وإيطاليا وهولندا. إلا أن خاصية التأخير المغربي تتميز بارتباطها بما صار يعرف في المداولات السياسية والإعلامية بـ "البلوكاج"، أي بما يعني أن إرادة ما تعرقل استكمال المشاورات، وتنصب بها الفخاخ.

أما بخصوص الدلالات فنتصورها على النحو التالي:

- الدلالة الأولى: لقد بدا واضحا من تصريحات رئيس الحكومة المكلف، خاصة تلك المتضمنة في خطابه أمام المجلس الوطني لحزبه (يوم 5 دجنبر 2016) أن المنطق، الذي اعتمده بنكيران في المشاورات كان يستند أساسا على منطق الأرقام المتحصلة في الانتخابات التشريعية ليوم سابع أكتوبر الماضي، معتبرا إياها هي الحد الفاصل في اختياراته وفي نتائج قراراته. وذلك ما أشار إليه صراحة في الخطاب المذكور حين ذكر بأن ليس من حق من حصل فقط على 37 مقعدا (التجمع الوطني للأحرار) أن يفرض شروطه على من حصل على 125 مقعدا، ويملي بالتالي من يحق له المشاركة في الحكومة من عدمها. وبنفس المنطق تحدث عن الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي الذي طالب بمنصب رئاسة مجلس النواب، منبها إلى أن تدبير ذلك الأمر لا ينبغي أن يتم إلا من داخل الأغلبية الحكومية.

الرافضون لهذا المنطق من القيادات الحزبية خاصة من حزب التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية يرون بأن الرئيس المكلف أدار ظهره إلى الأغلبية التي شكلت الحكومة المنتهية، والتي أنقذت حكومته من الانهيار حين خرج الاستقلال من تلك الحكومة في ماي من سنة 2013.

منطق بنكيران يعبر عن موقفين: رغبته في تشكيل تحالف جديد مع الاستقلال أساسا، تعبيرا منه عما اعتبره اشارة وفاء نحو شباط الذي لم يساند فكرة الانقلاب على بنكيران. ولقد كان العنصر واضحا في إبراز ما يعني أن الرئيس المكلف هو الذي يقود الانقلاب بسعيه إلى تشكيل أغلبية جديدة، وليس تعديلا فقط في الأغلبية المنتهية اليوم.

أما الموقف الثاني فيفيد أن بنكيران بتحالفه مع حزب الاستقلال، وعدم خضوعه لشروط وإرادة التجمعيين خاصة يحاول أن يجد له مساحة حرة خارج ما يسميه "التحكم". ومعنى ذلك أنه اتخذ قرار المواجهة. ومن هنا التساؤل حول ما إذا كان قادرا على تحمل مسؤولية هذا القرار.

- الدلالة الثانية التي أبانت عنها طبيعة ما تم من مشاورات تفيد بأن المنطق المعتمد كان هو الالتفاف حول اقتسام الغنيمة، أو باللفظ الصريح اقتناص الكراسي غبر اللعبة القذرة للأرقام. وهنا أيضا يغيب نتيجة ذلك الالتفاف كل حديث عن برامج المستقبل، وعن الانشغال بقضايا المغاربة، وبحاضرهم ومآلهم القادم.

- الدلالة الثالثة لما يجري تتمثل في هشاشة النخبة الحزبية التي يبدو أنها وجدت في تمرين ديموقراطي غير مهيأة له ذاتيا. مثلما تتمثل في عدم تقديرها لحداثة التجربة الديموقراطية.

إن أهم درس يستخلص من هذا "البلوكاج" هو عدم اشتغال السياسيين بفكرة الشراكة في صناعة القرار، وغياب مبدأ الفرز السياسي لمكونات النخبة الحزبية بحيث يصبح بالتالي الحديث عن الأغلبية والمعارضة بلا معنى. أما الحديث عن اليمين واليسار والوسط فلا يزال بعيد المنال. وتلزمنا أشواط طويلة لتنضج الممارسة السياسية، وليكتمل البناء الديموقراطي.