مولاي علي رشيدي:كان على تركيا التسريع بالإصلاحات الهيكلية بدل نهج خطاب المظلومية

مولاي علي رشيدي:كان على تركيا التسريع بالإصلاحات الهيكلية بدل نهج خطاب المظلومية مولاي علي رشيدي
إلى وقت قريب تمكنت تركيا من تحقيق معدل نمو سنوي فاق 7% و استطاعت استقطاب استثمارات أجنبية كبيرة؛ وبفضل ذلك تحسنت الأوضاع المادية للأتراك فأصبحوا ينفقون ويستهلكون كثيرا، ولكن يراكمون،كذلك،الكثير من الديون وبدأ عجز ميزان الاداء يتفاقم، خاصة بعدما فرضتإدارة ترامب على تركيا عقوبات اقتصادية في إطار التدابير الحماءية التي اتخذتها امريكا، لمناقشة تداعيات هذه الأزمة اتصلت" أنفاس بريس" بالدكتور مولاي علي رشيدي، أستاذ الإقتصاد بجامعة مولاي إسماعيل، بمكناس، وأجرت معه الحوار التالي :
+يعتبر العديد من المحللين السياسيين ان اسباب الأزمة التركية الأمريكية ازمة ظاهرها ديبلوماسي_ تجاري اما عمقها فهو جيواستراتيجي يتجاوز سبب اعتقال القس الأمريكي وأندرو برونسون ويتعدى الإجراءات التجارية الحمائية بين الدولتين؟
++فالولايات المتحدة تتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مسؤولية ارتكابه خطأ فادحا بإفشاله المشروع الأمريكي في الشمال السوري من خلال تدخله العسكري عبر عملية "غصن الزيتون"، بالتعاون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
أضف إلى ذلك القلق الأمريكي بسبب صفقة الأسلحة الروسية لتركيا؛ عندما توجهت أنقرة لشراء صفقة صواريخ روسية 400 في شهر يوليوز الماضي، مما أثار غضب الولايات المتحدة وعلق حينها وزير الدفاع الأمريكي "جيمس ماتيس" بأن شراء تركيا للصواريخ الروسية خرق لمنظومة دفاع حيث أن تركيا عضو في التحالف الأطلسي، وهذا يمكن أن يعقد الأمور التقنية بين المنظومتين الدفاعية.
من جهتها تعتبر تركيا أن تسليم الولايات المتحدة 150 شاحنة محملة بالسلاح من النوع الثقيل لقوات سوريا الديمقراطية، وبمثابة تفخيخ للشمال السوري وعمل صريح بتفجير الحدود التركية السورية.
كما تتهم تركيا الإدارة الأمريكية بدعمها لفتح الله غولن في الداخل التركي، والأكراد في شمال سوريا.
كل هذه العوامل وأخرى دفعت الرئيس رجب طيب أردوغان إلى التحالف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإيران، بشكل كبير، وهو ما يعني في التقدير الامريكي تعاونا وتتسيقا أمنيا تركيا سوريا بشكل غير مباشر في الوقت الحالي
وقد بلغت الأزمة ذروتها مع اعتقال القس الأمريكي و أزمة التأشيرات التي اججت من تراجع الليرة التركية..
بالفعل وكاستعراض للقوة من الطرفين وصل الأمر بالدولتين حد الإعلان عن تعليق تأشيرات الدخول بين البلدين مما ادى الى تراجع مستويات الليرة التركية، كتعبير عن تزايد المخاوف تجاه تصاعد حدة التوتر في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عقب اعتقال السلطات التركية موظف بالقنصلية الأمريكية واتهامه بالإنضمام لتنظيم فتح الله غولن وملف التأشيرات والمتابعات في حق المسؤولين الأتراك. فيما استقر أداء الدولار الأمريكي ليتداول بالقرب من أعلى مستوياته في 10 أسابيع غير متأثر بالأزمة مع تركيا.
+كيف في نظرك ستواجه تركيا التدابير الحمائية الأمريكية بخطاب المظلومية وهي التي ما فتئت تردد بقوة وصلابة اقتصادها ؟
++الحقيقة أن مشاكل عميقة تهدد الإقتصاد التركي الذي يعاني منذ مدة من تراجع نسبة النمو. فانطلاقا من 2012 لم تتجاوز هذه النسبة 3.5% بعدما كانت في حدود 8'6% ما بين 2002 و 2012.
وهي نسبة لا تسمح بتمنيع الإقتصاد التركي إن على مستوى خلق مناصب الشغل او على مستوى ضمان التوازنات المالية، فتركيا،الآن، واقعة فيما يسميه الإقتصاديون بـ «فخ الدخل المتوسطوهي المنطقة التي تقع فيها الإقتصاديات التي خرجت مؤخرًا من الفقر والتي تحاول أن تنتقل إلى مجموعة الدول الغنية ولكنها تجد صعوبة في تحقيق الإقلاع الفعلي لضعف بنيات البحث العلمي والتطور التكنولوجي وإنشاء علامات تجارية ذات صيت عالمي ،فوفقًا لبيانات البنك الدولي فإن حصة تركيا من السلع ذات التقنية العالية في الصادرات المصنعة هي 2% فقط منذ العام 2002.
عامل آخر، يتمتل في تراجع حظوظ انضمام تركيا الى الإتحاد الأوروبي...
صحيح أنه عندما انهار الإقتصاد التركي في عام 2001، قدم صندوق النقد الدولي برنامجاً تقويميا للعلاج معززا بآمال الإنضمام لعضوية الإتحاد الأوروبي، وبسبب الضوابط الصارمة على الإنفاق الحكومي، وزيادة شفافية الموازنة العامة، ومنح المزيد من الإستقلالية للبنك المركزي، والتوجه نحو أسواق أكثر انفتاحًا، تحقَّقَ الإزدهار التركي في وقت لاحق، ولكن في السنوات الماضية، وبعد أن تراجعت حماسة الإتحاد الأوروبي لضم تركيا، و تضاؤل القوة الدافعة للإصلاح، وجدت تركيا نفسها في وضعية صعبة بفعل السياسة الإرتجالية لحكومة العدالة والتنمية
فبقدر ما نجحت حكومات العدالة والتنمية في المحافظة على التوازن المالي في تجاربها الأولى بقدر ما كانت إدارتها الإقتصادية في ميادين أخرى جد سيئة ، فهذه الحكومة التي دعمت الإنفتاح الإقتصادي عملت على تقويضه من الداخل بالسيطرة بحكم القانون للكوادر الحاكمة على مراكز القرار ، كما ارتفعت معدلات الفساد والتعسف وتمت متابعة المعارضين للحزب بالرغم من دورهم الفعال وتنامت المخاوف وبدأ الإقتصاد التركي يفقد الثقة في الوضع وتكرس ذلك مع المحاولة الإنقلابية الأخيرة التي بفعلها ارتفعت بشدة عمليات توقف الأنشطة والإعتقالات على إثر اتهامات بتدبير محاولة الإنقلاب.
كما أن أسعار الفائدة المنخفضة التي يدعمها أردوغان قد اتجهت إلى الإستثمار البعيد عن الصناعة في قطاعات ذات عوائد أسرع مثل واردات السلع الإستهلاكية والمضاربات العقارية. فوفقًا لصندوق النقد الدولي فقد ارتفعت نسبة الإئتمان المصرفي المخصصة للبناء في الفترة بين منتصف 2012 ومنتصف 2014 من أقل من 50% إلى أكثر من 70% من جميع القروض و انتشرت في جميع أنحاء البلاد المناطق السكنية الجديدة الفاخرة ومجمعات ومراكز التسوق وهي أكثر بكثير من المصانع الجديدة.
كما أدى تراكم الديون و تراجع الإستثمار الأجنبي المباشر الى انخفاض الإدخار المحلي الأمر الذي جعل تركيا أكثر اعتمادًا على التمويل فديونها الخارجية تقترب من 400 مليار دولار أو حوالي 50% من الناتج المحلي والكثير من هذه الديون قصيرةالمدى والجزء الأكبر منها ينصب على القطاع الخاص. مما جعلها تحصل على درجات ضعيفة من وكالات التصنيف الإئتماني.
أما عن الإستثمار الأجنبي المباشر الذي بلغ ذروته بحوالي 22 مليار دولار في عام 2007؛ بدأ يأخذ اتجاهًا هبوطيًا منذ ذلك الوقت .فالشركات الأجنبية لم تجري أي عمليات اسثتمار كبيرة في تركيا في السنوات الاخيرة ولم تطلق أي مشروعات جديدة كبيرة ويرجع ذلك جزئيًا إلى قلف عام من الأسواق وإلى التقلبات السياسية وضعف في العملة وارتفاع في معدل التضخم والقرب من منطقة الشرق الأوسط والشكوك المتزايدة حول سيادة القانون.
+في رأيك ما هو المخرج الممكن كي تتحاوز تركيا هذه الأزمة ؟
++فلتجاوز أزمتها العميقة، فإن تركيا، بدل نهج خطاب المظلومية، فهي بحاجة إلى تسريع الإصلاحات الهيكلية وتحسين الثقة في مؤسساتها والإستفادة من إمكانيات النمو واستغلال موقعها الإستراتيجي.وإيجاد حلول سريعة لمشاكل الإستثمار المحلي والاجنبي التي تتمثل في عدم القدرة على التتبؤ وانعدام الشفافية في مناخ الأعمال وانعدام الثقة في المؤسسات وفي القانون التركي وترميم كل التشوهات التي حدثت بسبب محاولة الإنقلاب الأخير.