عبدالرحمان العمراني يرصد: أين الثروة؟

عبدالرحمان العمراني يرصد: أين الثروة؟ عبدالرحمان العمراني
the ben and the van 
لو أتيح لي كتابة مقال حول تمركز الثروات في بلدنا الأمين باللغة الإنجليزية لكان هذا هو العنوان الذي اخترته للتعبير عن المستوى الذي وصل إليه تمركز الثروات بعد المنظر الذي شاهدته هذا الصباح.
الحكاية بسيطة هذا اليوم عند الصباح الباكر، وأنا أطل من شرفة شقتي وقعت عيناي كالعادة على أشخاص يقلبون في الصناديق الكبرى المخصصة للازبال المنزلية .لكن عددهم هذا الصباح كان مرتفعا . خمسة أشخاص من كل الأعمار.. تفتيش دقيق وتمييز بين المحتويات وعمل تنافسي بين الخمسة لملء الصناديق البلاستيكية التي كانوا يحملونها بما تيسر من فضلات الطعام والقارورات الفارغة واشياء أخرى تتساءل أن كان بقي فيها أي نبض تجاري يجعلها صالحة للبيع والشراء .
وأنا افتح عيني على الكامل على هذا المنظر المريع، مرت بنفس الزقاق وفي ظرف وجيز بالتتابع ثلاثة سيارات رباعية الدفع فارهة ناصعة الألوان مستقيمة البنيان بزجاج أسود غير شفاف و بألواح ترقيم مغربية. لم يلتفت المنقبون عن بقايا الأطعمة البائتة والأشياء المتهالكة الأخرى الى السيارات المارة أمامهم أو بجانبهم ولست أدري ان كان أصحاب الفانات (رباعيات الدفع الضخمة ) قد التفتوا إلى منظر هؤلاء المعذبين في الأرض .
ولم يسعفني الوقت لالتقاط صورة كانت ستكون بكل تأكيد ترميزا شفافا عن المستوى الذي وصل إليه تمركز الثروات في بلدنا الأمين.
تمركز الثروات concentration of wealth صار الانشغال الرئيسي اليوم للاقتصاديين والسياسيين وصناع البرامج التنموية ومنظمات المجتمع المدني المناضلة من أجل إقرار نماذج تنموية بديلة في كل مناطق العالم. ذلك ما فهمته من مقال مطول نشرته أمس صحيفة النيويورك تايمز خصص للموضوع.
ولست واثقا مما أرى واتابع انه يحظى عندنا في الخطاب السياسي وفي المقاربات التكنوقراطية لمعضلة الفقر والفوارق بما يحظى به في أقطار -حتى غربية متطورة- من اهتمام ومواكبة، هي التي لا تصل فيها الفوارق إلى هذا الحد الذي يجعل راكب الفان van يجاور المنقب في ben .
والحال أن تمركز الثروات صار عندنا أكثر فظاعة وأشد وطأة على نفوس العباد ، بما لا يقارن، مع التمركز الاداري للذي تشكو منه أمة المرتفين .
والحاصل أن رؤية مشاهد من نوع ما شاهدت هذا الصباح الباكر يجعلك تتساءل بكل بساطة و تلقائية إن كان في البلد حقا منهاج ما بحد أدنى من معايير العدل وحس المواطنة، يتم اعتماده لتوزيع الثروة الوطنية .