قرمان: إعفاء وزير الاقتصاد والمالية بين الوقائع والإفتراضات...

قرمان: إعفاء وزير الاقتصاد والمالية بين الوقائع والإفتراضات... عبد الحكيم قرمان، باحث في علم السياسة

على إثر إعفاء الملك محمد السادس لوزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد، المحسوب على حزب الحمامة ضمن تشكيلة التحالف الحكومي، برزت إلى الواجهة جملة من القراءات والتحاليل حول خلفيات وأبعاد هذه الواقعة. ومما زاد في فضول واستفهامات الكثير من المواطنين والفاعلين السياسيين والمهتمين، وهم يحاولون، كل من موقعه ومنطلقاته ورؤاه، الإلمام بالأسباب الدقيقة وبدوافع النزول الحقيقية، كون بلاغ الديوان الملكي جاء مقتضبا ومختصرا، مبررا قرار الإعفاء بإعمال مبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة". 

ودونما حاجة للخوض في ما هو "متوافق" حوله فيما يخص التصريحات والخرجات غير الموفقة للسيد بوسعيد بشأن توصيفه للمقاطعين بالمداويخ، وتصريحاته "المرتجلة" حول الوضعية الصحية لاقتصاد ومالية البلاد برسم 2019 وقبلها ما روج حول "استغلال موقعه الحكومي" لتيسير إعفاء "رفيقه في الحزب" الوزير م.ح.ع من أداء مستحقاته الضريبية المقدرة بمبالغ فلكية تبعا لعملية بيع أسهم شركة التأمينات إياها لمستثمر جنوب إفريقي، هذا بالإضافة إلى التقريرين اللذين قدمهما كل من إدريس جطو ووالي بنك المغرب للملك مباشرة بعد خطاب العرش... لكل هذه الوقائع المعروفة وغيرها مما هو مستتر يحتاج إلى البيان والتبيين، فإن إعفاء الوزير بوسعيد، يحتمل قراءات استشرافية أخرى، نوردها في بعض الافتراضات الموضوعية بهذا الخصوص:

  قرار الإعفاء حسب بلاغ الديوان الملكي جاء مرتكزا على مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ووفقا لمقتضيات الفصل 47 من الدستور، فذلك يفترض أن "الوزير المعفى" يكون قد أخل بواجبه الوظيفي داخل الحكومة أو في علاقته بالمرتفقين ؟ أو أساء استعمال صلاحياته ؟ أو قصر في أداء مهامه التدبيرية أوالسياسية على رأس "أم الوزارات" ؟ أو قد يكون إنهاء مسار السيد الوزير هو حاصل "مجموع ما ذكر". في كل الأحوال، فإن السيد رئيس الحكومة مطالب بتقديم توضيحات ضافية للرأي العام الوطني حول هذه الواقعة، كما أن الأمر يستلزم، المرور إلى مرحلة التحقيق والتدقيق وربما المساءلة القضائية في حالة ثبوت إحدى "الافتراضات المذكورة" وبالتالي تحديد الجزاء وفقا للقانون؛

الفرضية  القائلة بأن "قرار الإعفاء " قد يؤول سياسيا لكون "المعفى" له انتساب حزبي معين، فهذا أمر غير ذي أهمية تذكر للأسباب التي تأسس عليها القرار، وذكرت في بلاغ الديوان الملكي. وعليه، يستفاذ مم الواقعة أن الإعفاء من المهام مبني ثبوت إخلال المسؤول بمهامه والتقصير في أداء وظيفته، وليس "لزرقة لونه الحزبي"، فما أكثر الألوان الحزبية التي قد تضبغ بها "الكائنات السياسية" المتجولة في فضائنا السياسي تحت تسميات "التكنوقراط" و"الكفاءات" و"الشخصيات الوطنية" وكلها وجوه ملونة لنفس الغاية والعينة. ولكون الإعفاء جاء مباشرة بعد خطاب العرش وما تضمنه من مضامين وتدابير ورسائل موجهة للحكومة والأحزاب والنقابات ولعموم المواطنين، هنا بالذات، يصبح الإعفاء، حدثا يؤشر على استهلال مرحلة جديدة ويبشر بوقائع وأحداث ربما تكون أقوى وأوسع في نطاق تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة؛

ما تعيشه البلاد من تفاعلات مرتبطة بالاختلالات والنقائص المسجلة في كثير من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، ناهيك عن ضمور الفاعلين الحزبيين والنقابيين والإعلاميين والمدنيين وعجزهم مجتمعين عن أداء رسالتهم المجتمعية فيما يشبه "أزمة مجتمعية" تشارف المجهول، بات الوطن في مفترق الطرق، أصبحت التحديات جمة بالداخل كما هي ضاغطة من بالمحيط الخارجي، مما يتطلب باستعجال، تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالكفاءة واستتباعها بالمحاسبة... ولعل الشروع في إصلاح الحقل السياسي والحزبي تنظيما وتقنينا وحكامة وتشبيبا وتحديثا لهياكل الاستقبال والتأطير والتنشئة وضمان الممارسات الديمقراطية الداخلية ودوران النخب، من شأنه أن يقي الوطن من أي انزياح عن المسار، ويقطع مستقبلا من كل الممارسات السيئة ويحد من اجتياح الكائنات الحزبية "الانتهازية والظلامية والشعبوية" لكل مناحي الحياة الخاصة والعامة.

وخلاصة القول فإن إرساء دولة الحق والقانون القائمة على الاحترام والاحتكام الجماعي إلى المؤسسات، يظل المدخل الأساس لبلورة "النموذج التنموي المنشود".