نوفل البعمري: خطاب العرش.. مرتكزات المستقبل

نوفل البعمري: خطاب العرش.. مرتكزات المستقبل نوفل البعمري
خطاب العرش لهذه السنة تميز ببعث إشارة واضحة سواء في مقدمته و في خاتمته و اللتين شكلتا معا الإطار العام الذي أتى فيه الخطاب ز هو سياق طبعه محاولات متكررة لتبخيس مؤسسات الوطن من الجهاز القضائي إلى باقي المؤسسات التي تشكل العمود الفقري للدولة إذ أن المس بها و من خلال التجارب التي حدثت في مختلف الدول التي دخلت في مسلسل الفوضى يؤدي إلى إنهيار الدولة و الدخول في حالة فراغ مؤسساتي منتهاه هو السيبة، الخطاب في مقدمته حدد قراءة الدولة لمختلف الأحداث التي عشناها هذه السنة أضف لذلك رمزية مكان الخطاب ألا و هي الحسيمة و هي رمزية تؤكد ألا وجود لأي "غضبة" ملكية على المنطقة و ساكنتها بل هناك فصل بين الملف الذي أخذ مساره القضائي و بين عموم سكان إقليم الحسيمة لتنهب بذلك فصلا من الدعاية التي ارتكز عليها دعاة تأزيم الوضع خاصةة ممن يتواجدون خارج المغرب و يطلون علينا في القنوات التلفزية الأجنبية لسكب الزيت على النار، و هو ما تؤكده الآية التي ختم بها الخطاب " و من يتقي الله يجعل له مخرجا" بمعنى أن مخرج أي أزمة و أي وضع لن يكون إلا بالتقوى،أي بإبداء مبادرات سياسية أو مدنية تعلن عن حسن نية و تنهي مع اللغط الذي صاحب هذه الاحتجاجات خاصة لحظة دخولها مرحلة التصعيد.
الخطاب له خمس مرتكزات تحدد مستقبل المغرب القريب و المتوسط و تعكس قراءة واضحة للدولة لما يعيشه المغرب سواء على مستوى العطب الذي أصاب مؤسسات الوساطة أو القضايا الملحة للمواطنين أو الإصلاح الإداري المتأخر، و يمكن إجمالها في خمس مرتكزات:
اولا: الخطاب توجه مباشرة نحو الأحزاب السياسية على اعتبار أنها جزء أساسي من مؤسسات الوساطة التي من المفترض أن تلعب دورها كاملا في تأطير المواطنين خاصة في لحظات الأزمة و ألا تتصرف و كأنها غير معنية علاقة بما يحدث من تفاعل داخل المجتمع اذ انها و منذ بروز الاحتجاجات الاجتماعية في الحسيمة او جرادة او...اختارت موقفا سلبيا اتجاهها و اتجاخ الحركة الاحتجاجية و هو ما فتح الباب نحو توتر مباشر بين الدولة و المحتجين لأن من يفترض فيهم القيام بمهمة الوساطة اختاروا موقفا سلبيا تاركين الدولة في مواحهة مباشرة مع الاحتجاجات و هو ما عقد في مرحلة مت مراحلها الوضع لغياب جهة ناطقة باسم المحتجين، هنا ذهب الخطاب لمطالبة قيادات الأحزاب إلى فتح أبوابها للشباب و للأجيال الحالية باعتبارها الأكثر قدرة على فهم طبيعة مشاكلها و لأن أغلب الحركات الإحتجاجية هم من فئة الشباب و مفصولين عن الأحزاب السياسية و قد يكون انفتاح الأحزاب على الشباب خاصة قي المناطق التي تعرف او عرفت حركة احتجاجية مقدمة لطي الملف من خلال اندماجهم في الحياة العامة و السياسية و انخراطهم داخل المؤسسات المنتخبة محليا لتمثيل الساكنة و القيام بمهمتها في تأطير المواطنين بشكل مؤسساتي و رفع مطالبهم للدولة بطرق مؤسساتي، إذ أن انغلاق الأحزاب على ذاتها و قتلها للمبادرة الداخلية و التضييق في حالات كثيرة على المختلفين مع التوجه الرسمي داخلها أفقدها المصداقية و دفع الشباب إلى البحث عن طرق أخرى للتعبير عن رفضه لبعض الاختياران الحكومية. 
ثانيا: هناك البعد الإجتماعي في الخطاب حيث رصد مختلف اختلالات التدبير الحكومي للعديد من الملفات الاجتماعية الحيوية التي تمس المواطن بشكل مباشر خاصة ما يتعلق بالحماية الإجتماعية للفئات الهشة من تعليم و صحة و خلق فرص شغل....على اعتبار أن الحكومة عمدت إلى القيام بالعديد من التغييرات في البنية الإقتصادية للدولة دون أن تصاحبها و تواكبها بإجراءات إجتماعية توفر الحماية للطبقة الفقيرة حتى لا تتضرر من الإجراءات المتخذة، كما أن الخطاب ركز في هذا الصدد على ضرورة فتح حوار اجتماعي و طالب الحكومة بفتحه مع المركزيات النقابية في أقرب الآجال لأنه يتعلق في حال استمرار الوضع على ما هو عليه بتهديد واضح للسلم الإجتماعي الذي برزت بعض ملامحه في حدة الاحتقان الإجتماعي المتصاعد و اتساع دائرة الفئات الهشة و السخط الذي يعتري الشغيلة المغربية بسبب عدم استجابة الحكومة أو على الأقل دخولها في حوار جدي مع الحكومة على قاعدة السلم الإجتماعي الذي أصبح ميزة مغربية طبعت مساره و مسلسله منذ حكومة التناوب التوافقي إذ لا يمكن بناء اقتصاد قوي و تشجيع الرأسمال الأجنبي على الدخول للمغرب و الاستثمار في ظل وضع اجتماعي غير مستقر و في ظل غياب أية حماية للشغيلة المغربية تجعلها تنخرط في دورة الإنتاج الإقتصادي بروح وطنية كبير.
ثالثا: الخطاب حدد مدخل تشجيع الإستثمار و انتقد البيروقراطية التي تهدد المستثمرين و حدد آجال واضحة للرد على كل الطلبات في ظرف شهر و إلا يعتبر المشروع مقبول كما طالب الادارة بتحديث وسائل عملها و تخفيف العبئ على المستثمرين و عدم إرهاقهم بطلبات بيروقراطية تعقد المساطر و ترهق المستثمرين و قد تكون سببا في رحيلهم عن المغرب أو إحجامهم عن الإستثمار فيه،  هنا الأمر واضح فهو يتعلق بضعف الحكامة الإدارية و بيروقراطتيها الزائدة التي تعطل الاستثمار و تعيقه لأنه أحد المداخل لخلق فرص الشغل و إنعاش الإقتصاد الوطني.
رابعا: البعد الآخر في الخطاب و هو جد مهم يتعلق بمشروع بالجهوية الموسعة الذي تأخر تنزيله لأكثر من سبع سنوات، أي من دستور فاتح يوليوز لذلك فهو طالب الحكومة بإخراج قانون اللاتمركز الإداري باعتباره واحد من الإصلاحات الأساسية السياسية و الإدارية التي أقرها الدستور و شكلت جزءا من ملامح العهد الجديد، كما أن تعثر العديد من المشاريع التنموية راجع بالأساس لاستمرار تمركز القرار في يد الحكومة و الإدارات المركزية مما أثر بشكل كبير على دور الجهات و المؤسسات المنتخبة محليا و جعلها مسجونة في يد الإدارات المركزية،المهم هنا و لتقييد الحكومة بضرورة إخراج هذا القانون و عدم التلكئ أو الدخول في مهاترات سياسية كانت السبب في تأخر تنزيل الدستور و تفعيله، لذلك فثد حدد كذلك آجال واضحة لإصدار هذا القانون على ألا تتعدى أكتوبر المقبل.
خامسا: - الخطاب دعى بشكل واضح إلى الحفاظ على الموارد الإستراتيجية التي يزخر بها المغرب خاصة منها الثروة المائية التي تعتبر مادة حيوية بالنسبة للمغرب و المغاربة و ربطه بالتنمية يتجلى ذلك في الطاقة المائية و في الفلاحة لتجاوز تقلبات الأحوال الجوية و توفير الماء الصالح للشرب في المناطق النائية، هنا الخطاب مارس نقدا واضحا لكيفية تدبير الشأن العام و رصد مجمل الإختلالات الاجتماعية و الإدارية التي تعرفها بلادنا التي تسببت فيها اختيارات الحكومة و عدم تجاوبها السريع مع مطالب المغاربة و رهاناتهم و تطلعاتهم في التنمية و العيش الكريم.
الخطاب حدد ملامح المغرب في السنوات المقبلة و وضع استراتيجية واضحة على المدى القريب و المتوسط و رمى الكرة لدى الأحزاب السياسية للانفتاح على الشباب قصد الإستعداد للانتخابات المقبلة و تدمجه في الحياة العامة و للحكومة للقيام بالإصلاحات اللازمة سياسيا و اجتماعيا.