مجلس النواب ، ليس صندوق بريد لتبادل الرسائل فيما بين الأحزاب أو حلبة للصراعات الإنتخابية ، ليس فضاء للإحتجاج ولا هو منبر لرأي الوزراء غير المنتمين ، هو مؤسسة للتشريع وصناعة السياسات العمومية ورقابتها ، ليس قفصا للاتهام ولا هو محكمة لتحريك الدعاوى العمومية تجاه المجتمع المدني والمواطنين ،
إنه مؤسسة يخولها الدستور تدبير شروط الانتقال الدمقراطي من خلال مراقبة مشروعية استعمال الدولة للقوة العمومية وحكامة التدبير الجيد والقانوني للسياسات العمومية وغلى الخصوص في مجال الأمن .
واذا كانت الدولة ، او من وراءها ، قد استغنت ، بالمعتى البراغماتي ، عن هذه الآلية الدستورية ، في سياق التخلي التدريجي عن جدوى الدمقراطية الصورية ، المسماة تمثيلية ، فإن النقاش العمومي حول مسألة التعويضات والتقاعد ، ينبغي أن يؤخذ بجدية وعقلانية ، بعيدا عن أية مزايدة او إفتعال لمعارك جانبية ، لأن المطلوب إستحضار التحولات الحاصلة في المشهد السياسي حيث لم تعد التعويضات تحفيزا بالضرورة للمشاركة السياسية ، مما يعني ان الأمر خطير ، بأن تتسم تلك التعويضات بطابع معاشي حتى لا نقول مصيري او انطولوجي ، بالنسبة ل" المعوزين البرامانيين " او رشوة سياسية مستدامة بالنسبة لمحتكري السياسة . من هنا وجب التذكير ان الدستور اوكل التشريع في مجال القانون للبرلمان ، ولكن التشريع في تقاعد البرلمانيين قد يطرح سؤال المسافة الضرورية بين الموضوع (القانون ) وبين الذات ( البرلمانيين المشرعين ) ، وهو أمر قد يثير التجريح المعنوي ، مادام المنطق يقتضي ان يتم التشريع للأمة وليس للصالح الخاص ، وفي امور مالية تتداخل فيها الصلاحيات والقطاعات على مستوى التفعيل والتدبير وكذا التنفيذ ، مما قد يؤثر في مبدأ استقلالية الذمة وفي نفس الوقت قد يمس بمبدأ تكافؤ الفرص ، الشيء ينبغي معه التوافق على صيغة ، في إطار الإجتهاد ، وهنا يمكن فتح باب المشاورات مع الجميع ، وإن اقتضى الحال إجراء تحكيم المؤسسة الملكية ، والتي لها ما يكفي من هيئات ومجالس استشارية ، والتحكيم ضروري لأنه سيلامس منازعة قانونية ، وسيباشر وساطة بين سلطتين او اكثر ؛ وذلك مسؤولية الملك كضامن ، و عندما نقول بأن الملك هو الضامن للحقوق والحريات ،فليس من باب التملق السياسي ، وانما من واجب المساءلة الدستورية ،ليتخذ ما يلزم أمام خطورة الإجهاز على الحقوق المكتسبة للمواطنين ، فليس هينا ان ينفرد البرلمان بسلطة التشريع في مجال القانون ، في ظل الدستور الجديد ، وفي ذلك ضمان لبقية الحقوق الاساسية ، من الحق في التعبير والتظاهر السلمي الى الحق في الحياة الكريمة ،وان ما تفرخه لنا الحكومة من توتر وارتباك في اقتسام السلطة التنفيذية مع الملك ، بالنظر الى التنازلات الريائية والزبونية ، قد يؤثر على مزيد تفريخ لإجراءات لا دمقراطية ولا شعبية ، وفي ذلك مؤشر قوي على صمود إرادة تأجيل اللحظة الدمقراطية وتهريب التغيير الدمقراطي الى زمكان غير مدني وغير حداثي ،وان شئتم لا دستوري ...فليتحمل الجميع مسؤوليته أمام القانون والتاريخ .