المحامي يخلف: ترشيد الاعتقال الاحتياطي، مدخل أساسي للأمن القضائي

المحامي يخلف: ترشيد الاعتقال الاحتياطي، مدخل أساسي للأمن القضائي المحامي يخلف (يميناً) رفقة عبد النبوي، رئيس النيابة العامة

يشكل الأمن القضائي الرهان الأكبر والأسمى عند المواطن المغربي والأمل المنشود من المستجد الدستوري لسنة 2011، بعدما أفرد للقضاء مكانة هامة ومحورية كسلطة مستقلة هدفها الأوحد هو خدمة وضمان حرية المواطن وحقوقه وأمنه القضائي، بالتطبيق العادل للقانون (الفصلين 6 و 117 من الدستور).

وفي هذا الصدد أكد الأستاذ مصطفى يخلف، المحامي بهيئة أكادير، أن العبء الأخلاقي والقانوني والوظيفي الذي وضعه المشرع الدستوري على عاتق القاضي بمقتضى الفصل 117 من الدستور يجعل من الأمن القضائي في مصاف الحقوق الدستورية، ومن أسس الحكامة القضائية المعتمد عليها لتحقيق العدل وإشاعة المساواة في تطبيق القانون، وهي غايات وأهداف مطلوبة وأصبحت من الثوابت الدستورية المعول عليها لترسيخ مبادئ الحكامة العادلة وتثبيت الحقوق ومحاربة الإفلات من العقاب وترشيد الاعتقال الاحتياطي كمدخل أساسي للأمن القضائي.

وأضاف المحامي يخلف، في لقاء مع جريدة "أنفاس بريس"، ان الاعتقال الاحتياطي، رغم كونه إجراء ذو طابع استثنائي بمفهوم الفصل 159 من "ق م ج"، الذي يفرض على المتهم قضاء فترة من الاعتقال على ذمة التحقيق بسبب جنحة أو جناية منسوبة إليه،  أو خلال فترة محاكمته قبل صدور حكم حائز لقوة الشيء المقضي به، والذي يكون وجوبا بقرار من النيابة العامة أو من طرف قاضي التحقيق. فإن الواقع أثبت من خلال الإحصائيات والمعطيات ونتائج التشخيص العام لواقع العدالة الجنائية بالمغرب قبل وخلال الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، بأن اللجوء المفرط للنيابات العامة له من خلال الممارسة القضائية الواقعية، هو سبب الانتقادات المعلنة والصادمة ضد هذا الإجراء الذي ينم في غالبية حالاته بعدم وضوح المعايير، وفي حالات أخرى بتضاربها، وفي حالات استثنائية بالتعسف في تطبيقه رقم توفر ضمانات حضور المتهم لجلسات المحاكمة أو اتسام الجنحة أو الجناية المنسوبة له بعدم الخطورة من حيث الإثبات، أو تضارب الأدلة وتناقضها أو الشك في صحة اعتمادها كوسيلة محتملة للإدانة.

واسترسل الناشط الحقوقي، بالقول: "لقد خلق إفراط النيابة العامة في وضع المتهم رهن الحراسة النظرية، أو التجاوز في تقديمه في حالة التلبس أو الحالات المتشابهة له، أكبر الأسباب المشوشة على تنزيل مفهوم الامن القضائي الجنائي وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة لانتفاء معايير دقيقة وواضحة تجعل من الحرية والبراءة وحقوق الإنسان وحسن تطبيق القانون والمساواة أهم منابع وثقافة الاتهام وقبله القناعة بالمتابعة في حالة سراح أم الإحالة على المحاكمة في حالة الضرورة في حالة اعتقال.

ولعل الثقافة المتواترة لدى النيابات العامة بربوع المملكة وبشكل تبعي داخل المجتمع من كون الفعالية في تحقيق العدل بالمادة الجنائية لا تكون أو تتحقق إلا بالاعتقال، إنما هي ثقافة متجاوزة بحكم المستجدات الدستورية ونفحات الانفتاح المغربي على الكونية في حقوق الانسان، والانصهار مع الاتفاقيات والمطالب الدولية الرامية إلى إعادة النظر في واقع العدالة الجنائية بالمغرب،  ونتائجها المتهمة بالقصور وعدم الفعالية، والقرارات السلبية غير المعللة والمتضاربة في بعض الأحيان من طرف نفس النيابة العامة وبين نفس الحالات من جنس الجنحة أو الجناية وظروف ارتكابها ونتائجها، مع فارق الزمن والأشخاص المتهمين بارتكابها والضحايا المدعين تعرضهم لها.

لذا فإنه من واجب وحق المواطن المغربي، المؤمن والمتشبع بالمؤسسات والمحترم للدستور والقوانين والمقررات القضائية، أن يطمح فورا وحالا، إلى عدالة جنائية آمنة مثبتة للاطمئنان، والمرسخة لمفاهيم وقواعد مسطرية جنائية محسوم في مضمونها ومحتواها من كون الاعتقال الاحتياطي مبدأ وتدبير استئثنائي تبنته السياسة الجنائية المغربية على أساس السير قدما نحو بدائل الاعتقال ونشر ثقافة التسامح والتصالح مع الذات والضحية والمجتمع.

أن استراتيجية الوصول إلى الهدف المنشود وهو ترشيد الاعتقال الاحتياطي وأنسنة (حقوق الانسان) مقررات النيابة العامة وضمان المحاكمة العادلة بآليات قانونية وإجرائية بديلة عن حرمان المتهم من الحرية، كلها طموحات مشروعة وبسيطة الطرح والتنفيذ شريطة تأهيل العنصر البشري المسؤول عن تدبير آليات تحقيق العدل الجنائي وزرع قيم ثقافة الثقة عند دراسة الحالات واتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية فيها بكل جرأة وشجاعة وكذا بكل تروي وحكمة وتبصر حسب الحالة مع التطبيق الفعلي لربط المسؤولية بالمحاسبة.

إن الأمن القضائي الجنائي مسؤولية جسيمة حددت لها الجهة الموكول لها وضع الخطوط العريضة للسياسة الجنائية بالمغرب معالمها  ومبادئها العامة الثابتة في التطبيق، ويبقى على عاتق ذوي الاختصاص من قضاة النيابة العامة الأكفاء تحقيق التوازن بين النص القانوني والضغط الفعلي من حيث تفاقم حالات الاعتقال الاحتياطي غير المبرر من أساسه، وغير المجدي من حيث نتائجه، بدليل أنه لم ينجح في القضاء أو التخفيض من الجرائم المرتكبة، أو الحد من خطورتها، بل ساهم ويساهم في زرع القسوة والانتقام بدل التأهيل والاندماج الكفيلين بإصلاح الجاني المتهم وتقويمه وتربيته انطلاقا من كونه ابن المجتمع ومسؤول منه وعليه يقع عبء إصلاحه.

أن قرينة البراءة ومبادئ المحاكمة العادلة مطلبين مشروعين مستحقين لكل مواطن عاشق للحرية التي لا تستقيم الحياة بدونها و لا قيمة للإنسان إلا بوجودها ولا معنى لإصلاح العدالة دون الإيمان بالمساواة في تطبيقها وحقوق الموطن في الاطلاع المسبق على معايير وضمانات تطبيق وترشيد الاعتقال الاحتياطي".