زكية حادوش: يا ساحر القال والقيل...!

زكية حادوش: يا ساحر القال والقيل...! زكية حادوش

يا ساحرَ المقلتيْن والجيد، وقاتلي منك بالمواعيد

توعدني الوصل ثم تخلفني، ويْلايْ من خلفك موعودي.

أستهل هذا العمودَ شعراً، عله يكون أخف وطأةً من نثرٍ نثرناه على حواشي الأحداث من مدادِ القلب. متشبثة أنا بحقي في الشعرِ والمشاعرِ والحلمِ الكوني وبعضِ الجنون، تاركة "العقل" لمحترفي لغة الخشب ومرتزقة الحلم المغربي و"حْساسْبية" الوقت.

لهم حلمهم ولي حلمي. حلمهم "المغربي" الذي أختصره في شغلٍ "مكتبْي" مع بعضِ السلطةِ التي تسمحُ من الاستفادةِ من "الإكراميات" و"السفريات" وخفةِ اليدِ التي يُعلمها "المال السايْبْ"، وزوجةٍ "مطواعة" أو زوج "عاطي للعين" (لزوم الزينة الاجتماعية) وأطفالٍ (ولد وبنت على الأرجح) يكملون أثاثَ هذا الحلم. سيدرسون في البعثاتِ الأجنبية ويمضون عطلتهم في الخارج...

حلمٌ ببيتٍ وبسيارةٍ أو اثنتين، بخدمٍ ومدارسِ الأولاد وأطباءٍ على "الموضة" وفنادقٍ ونوادي رياضيةٍ واستجماميةٍ راقيةٍ للترفيه في "الوي كاند"، حتى إنْ كان ذلك كله بالدينِ والسلفِ أو المالِ الحرام. لا يهم!

لهم حُلمهم، ولي حُلمي البسيط، حلمٌ بالعيشِ بنظافةٍ وفي نظافة. نقاءُ السريرةِ ونقاءُ الأقوالُ والأفعال، ذلك الصفاء الداخلي المقرون بالنظافةِ الخارجية وبنظافةِ الفضاء العام.

أحلمُ أنْ أفتحَ نافذتي على هواءٍ نقي وعلى مناظر جميلة ونظيفة، وأفتحُ وسائلَ الاتصال بأشكالها ولا تطالعني تلك الصور والخطابات البشعة و"وجوه النحس" المألوفة، التي تُذكرنا بالماضي المظلم وتُنذرنا بمستقبلٍ أكْلح.

أحلمُ بعطلةٍ على شاطئِ قزح أو على الشاطئِ الجميلِ في مدينتي الجميلة بدل رؤية بنايات الأسمنتِ تتناسلُ وثكنات العسكرِ وعُدتهم وعَتادهم في المنظر. أحلمُ بأنْ أجلسَ إلى جَداتٍ وأمهاتٍ ليحكين لي حكايات "لُونْجة" والغول الخيالي، بدل الحديث عن ذلك "الغول" الحقيقي صاحب الأنياب الزرقاء.

أحلمُ بحريةٍ تحررنا من الترهيب والترغيب، وبكرامةٍ للجميع تجعلنا نمشي رافعين رؤوسنا، لا نحني هاماتنا إلا للحق ولا ندفنُ رؤوسنا في الرمال كالنعامة ونتركُ "مؤخراتنا" مكشوفةً لكل مُعتدٍ.

منذ سنوات، ورغم توالي الضربات، لم أتخل عن حلمي ولن أتخلى عنه، لأنه ملكي وحدي، ولن أحلمَ على المقاس وأدخلَ في حلم "مغربي" جماعي هو بالنسبةِ لي كابوسٌ يُطْبقُ على الأنفاس ويضيقُ العيشَ والتفكيرَ والأفق.

ومع توالي الوعود من طرفِ "القائمين" على شأننا والتبشيرِ بمستقبلٍ مشرقٍ عبر التنمية البشريةِ والتنميةِ المستدامة والتنميةِ الشاملة والمندمجة وغيرها من "الكلمات الغليظة" التي لا تسمنُ ولا تغني من جوع، اللهم ما تعلقَ بالجوعِ التاريخي لمرضَى داءِ فقدانِ القناعةِ المكتسبة مِنْ عليةِ القومِ وسَفلَتهم.

فيا ساحرَ القالِ والقيل، وقاتلنا منك بالمواعيد

 تُوعِدنا تنميةً ثم تخْلفها، ويْلنا من التصعيد.

وليعذرني أبو نواس في قبره!