أسمع بعبد الله بنكيران مند أن كنا طلبة في ثانوية يوسف بن تاشفين بأكادير 1972 -1975، وكنا آنذاك منخرطين في جماعة التبليغ والدعوة مع المرحوم عبد الله بها والدكتور سعد الدين العثماني.. وفي الحي الجامعي الأول السويسي 1976-1977 عرفت عبد الإله بدراجته النارية بلحيته الكثة السوداء بمسجد الحي الذي بناه المرحوم داي ولد سيدي بابا كوزير للأوقاف ودشنه كوزير للتعليم.... وببعض الغرف في الحي التي لا أذكر منها إلا غرفة صهرنا الأستاذ الناية والد ابن أختي الدكتور سيد الناية حفظه الله ورعاه... كان مفتول العضلات معجبا وواثقا من نفسه يطلق الكلام على عواهنه... رغم أن كلامه يدخل في مجال الدعوة، إلا أن العاقل الفاطن يحس بأنه ضد النظام ويسعى إلى نشر الإسلام السياسي بطريقة غير مباشرة ....
بعد تخرجنا انخراطنا في عالم العمل والكد.. تفرقت بنا السبل وكنت أتابع نشاط إخوان الحي الجامعي السويسي من بعيد.... أسسوا جمعية دعوية في الظاهر سياسية في الباطن.... اندمجوا في حزب الدكتور الخطيب الذي تولى تدجينهم نيابة عن المرحوم الحسن الثاني... نجح أو نجح سبعة منهم... وفي السبعة سر... وبرزوا كشباب واعد وبرلمانيين مؤلفة قلوبهم... ونالوا استحسان الناس بمثابرتهم وجدهم وحضورهم الدائم في الجلسات العامة... ومن أبرزهم بنكيران، العثماني، عبد الله بها، المقرئ الإدريسي.. أما الباقي فلا أتذكرهم...
كنت ألتقي بعبد الله بها لماما لما كان يجمعني به من صداقة طيلة أيام دراستنا بأكادير، بالإضافة إلى أن أخته كانت تعيش بنفس قرية اولاد جرار التي كانت تقطن بها أسرتي.... مازلت أذكر أنني عندما طلبت من عبد الله بها أن التحق بهم في الحزب حزب الخطيب، قال لي بالحرف إن انخراطك معنا سيقضي على كل أمل في ترقيتك مستقبلا.... فنحن حزب مشكوك فيه وكل أعضائه مراقبين من طرف مخابرات ادريس البصري على حد قول عبدالله بها...
إلا أن الأقدار حملتني غصبا عني إلى السياسة وفاء لرجل ما زلت أحترمه وأعزه هو السيد خليهن ولد الرشيد الذي منحني شرف تمثيل الحزب الوطني الديموقراطي بإقليم تزنيت والنجاح باسمه لولايتين ببلدية تزنيت...
استطاع بنكيران ومن معه فرض وجودهم على المشهد السياسي، وبرزوا كقادة سياسيين استولوا على لب المغاربة بصدقهم ومثابرتهم في العمل السياسي الجدي وتبنيهم للدين الإسلامي الحنيف الذي لا يبغي المغاربة عنه بديلا... رغم تحفظ الدولة عن الإسلاميين ومحاربتهم بكل الوسائل السرية والعلنية وتزوير الانتخابات لإبعادهم وكبح جماحهم... فقد استطاعوا فرض وجودهم، وتضاعف عددهم في البرلمان وسيطروا على أهم بلديات المدن المهمة في البلد... أصبحوا أخطبوطا وسرطانا سيطرا على كل أطراف الجسد المغربي وما زال ينخر فيه إلى حد الساعة، رغم أن الدولة تحاول استئصاله بكل الوسائل وبدون فائدة لأن الداء استشرى في الجسد..
كان بنكيران موضوع مقالنا هذا في أوج عطائه الدعوي والسياسي... كان معارضا شرسا لكل الحكومات المتعاقبة من عصمان وبوعبيد والعمراني والفيلالي... مهادنا لحكومة اليوسفي وجطو والفاسي... كانت معارضته معقولة ومشاكسته مقبولة.... فأنا لا ألوم أي برلماني يشاكس في المعارضة، يسب ويلعن لأنه يريد إثارة الانتباه ويستعد للدخول إلى الحكومة... إلا أنني أمقت وأحتقر وأزدري كل من وصل إلى دفة الحكم وما زال ينبح، كما هو أخونا في الله عبد الإله بنكيران....
كان على بنكيران بعد أن منحت له رئاسة الحكومة على طبق من ذهب أن ينسى ماضي المعارضة، وينخرط في الموالاة بعقلية جديدة يسودها العفو والتفاهم مع الجميع.... بنكيران بعد تتويجه رئيسا للحكومة ركب رأسه وانتفخت أوداجه بسرعة قياسية، تحسن هندامه وأصيح يستبدل بدلاته وربطات عنقه وجواربه وسراويله وحتى لباسه البلدي التقليدي وكأنه عارض أزياء... الله انجيك من المشتاق إلا ذاق.... وأشد من أخشى أن ينطبق عليه وعلى أصدقائه ووزرائه وكل أعضاء حزبه قول الشاعر العربي الأصيل: "تجنب بيوتا شبعت بعد جوعها/ فإن بقاء الجوع فيها مخمرا/ وأوي بيوتا جوعت بعد شبعها/ فإن كريم الأصل لا يتغير".
كل وزراء العدالة والتنمية تبدلت سحناتهم وانتفخت أوداجهم وتحسن هندامهم.. وفي ظرف وجيز استبدلوا منازلهم في الأحياء الشعبية وشراء فيلات في الأحياء الراقية.... فسبحان مبدل الأحوال من حال إلى حال... لا يسرقون ولا يقبضون الرشوة وذممهم المالية سليمة، ومع ذلك يشترون الفيلات والمنازل الراقية عند اخنوش ويلبسون أرقى البدلات... ويأكلون على حساب الدولة لأن منازلهم مغلقة لا يكرمون فيها الضيف ولا يقرؤون فيها المسكين... منكمشين على أنفسهم يخافون من ظلهم... الله انجيك من المشتاق إلى ذاق... لا ينفعون إلا أنفسهم وأقرب الناس إليهم... أغلبهم كلبن الحمارة لا ينفع ولا يضر...
كان على بنكيران بعد جلسة على كرسي رئاسة الحكومة أن يكون رزينا واثقا من نفسه، يجمع ولا يفرق... يضحك ولا يبكي.... يبشر ولا ينفر... يتواضع ولا يتكبر... كان عليه أن يعرف أنه رئيس حكومة كل المغاربة بدون استثناء، وخاصة المعارضة التي كان عليه إرضاؤها بكل السبل... بينما ما قام به بنكيران هو العكس تماما.. السب والشتم والكلام النابي الذي وصل حد كلام لسفهاء: ديالي اكبر من ديالك...
وصل حد القطيعة مع المعارضة.... رغم ذلك كان يسعى إلى السيطرة على كل دواليب الدولة... سخر رئاسة الحكومة لخدمة حزبه... كان يتكلم ويتصرف كأمين عام حزب أكثر ما يتصرف كرئيس حكومة... يعرف في قرارة نفسه أنه لولا الحزب ما وصل إلى ما وصل إليه.... استغل الدين للاستيلاء على لب المغاربة وكسب أصواتهم... لولا تدخل الدولة بوسائلها الخاصة لحصد حزب بنكيران كل أصوات اليمين واليسار.... استولى على لب المغاربة وصوت معه حتى الجن.... يكفي أن تترشح يرمز المصباح لتنجح بدون صرف سنتيم واحد وبدون دعاية في الدائرة لأن بنكيران ناب عن الجميع في مهرجانات دعائية حضرها الجن والانس والموحد والملحد والطيب والفاسق.... عندما تتكلم باسم الدين يتبعك المغاربة لأنهم يخافون من يوم لا ينفع فيه مال لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم...
بنكيران أخطأ عندما دخل في منافسة مع المعارضة وهو جالس على كرسي رئاسة الحكومة.... الحاكم لا ينتقم... الحاكم يداري ولا يقول إلا خيرا أو يصمت...
بنكيران رغم أنه احتل المرتبة الاولى في الانتخابات البرلمانية الأخيرة فإنه ما زال على حاله مشاكسا يجعل من عدو الأمس صديق اليوم ومن صديق اليوم عدو الغد.... إنه لم يسمع قط بقول الشاعر الحكيم:
"أحببت حبيبك هونا ما/ عسى أن يكون بغيضك يوما ما/ وابغض عدوك هنا ما/ عسى أن يكون حبيبك يوما ما".
بنكيران متكبر أحمق مناور في جسم رئيس حكومة... إنه يريد تكوين حكومته مع اليمين واليسار والوسط في آن واحد باستثناء الاصالة والمعاصرة مشجبه الذي يستعمله لكسب الأصوات.... فكل الأحزاب أحزابه وحوارييه... شباط لم يعد عدوا ولشكر لم يعد مشاكسا... أخنوش لأنه لم يساير نزواته أصبح مصدر إزعاج وتحكم.... مع من سيتعاون بنكيران، هل مع عدو الأمس شباط ولشكر أم مع عدو اليوم أخنوش.... إنه في وضعية لا يحسد عليها، فإذا لم يتدخل جلالة الملك فسيكون مضطرا إلى إرجاع السوارت والرجوع إلى بيت زوجته بحي الليمون...
بنكيران رجل محظوظ في الساسة مفلس في الحكومة.... موفق في حزبه فاشل مع الأحزاب الأخرى... فباستثناء الشيوعيين كل الاتجاهات الأخرى أعداء له لا تجمعه معها إلا المصلحة الآنية.... بنكيران ميكيافلي من أجل مصلحته يضحي حتى بأقرب الناس إليه.... احذروا بنكيران فإنه إنسان لا يؤمن جانبه... من أجل المحافظة على مصالحه الأنانية يستطيع أن يضحي حتى بعلاقته مع ربه ومصالح مجتمعه ووطنه... فهو لا يؤمن إلا بنفسه ومصالحه وزعامته ومن بعده الطوفانApres moi le deluge
بنكيران ماضيه غامض... وحاضره كلام فارغ... ومستقبله بيد الله...