باشرت حكومة اليوسفي أعمالها وبعثت الأمل في النفوس مع انفراج سيّاسي مُعْتَبَر. لكن مُهَنْدس التناوب التوافقي (التناوب المَمْنوح) المغفور له الحسن الثاني لَبّى داعيَّ ربِه و انتقل إلى دار البقاء سنة 2000 آخذاً معه مفاتيح التناوب تاركاً وراءه وزيره الأول و كاتم سرّه عبد الرحمان اليوسفي الّذي لم يُسِرّ حتى لرفاقه في المكتب السيّاسي بفحوى ميثاق الشرف الّذي ضربه مع ملك البلاد الرّاحل.
""ماتَ الملكُ، عاشَ الملكُ""؛ تَمّ انتقال السلطة من الوالد إلى الولد بطريقة سلسة و في خشوع شعبي و طمأنينة مجتمعية بديعة.
انتهتْ ولاية حكومة اليوسفي سنة 2002؛ جرت انتخابات تشريعيّة نفس السنّة تبوّأَ ظَفِرَ فيها الإتحاد بالمرتبة الأولى و اعتقَد السي عبد الرحمان اليوسفي أنّ التجديد له لقيّادة ولاية ثانيّة تَحْصيلُ حاصل ـــ ذكّرني هذا بموقف بنكيران اليوم ــــ لكن حصَلَ ما لَمْ يكن في الحسبان و هو إنّ حزب الاستقلال المُرَتّب الثاني في الإقتراع أصبح له في مجلس النوّاب بين عشيّة وضحاها عدد من النُوّاب أكثر من عدد نواب الإتحاد بفضل آفة الترحال البرلماني و بالتالي أفصح أن جاء دوره ""مُولاَ نُوبَة "" لتشكيل و قيّادة الحكومة!!
هذه النّازلة جاءت كهِبَة من السماء أتاحت للنظام الإستغناء دون أدْنى حرج عن الإخوة الأعداء الإتحاد و الإستقلال سواء بسواء و تسليم العهدة الحكومية إلى رجل أعمال من خارج الطيف السيّاسي و مُقَرّب من القصر.
هكذا تَمَ إجهاض التناوب في نسخته الأولى حيث استنفذ ما رُسِمَ له، ليصار إلى تناوب تُفْرزه صناديق الإقتراع سنة 2011 بفضل ريّاح الربيع العربي العاتيّة و زمجرة حركة 20 فبراير الّتي أفضت إلى تعديل دستوري على مضض حيث لحدّ السّاعة لم تُفَعّل كلّ مقتضياته.
هذا يدفعُني إلى القول ما أشبه 1998 ب 2012 و ما أشبه 2002 باليوم نونبر 2016.
سنة 1998 رَغِب المغفور له الحسن الثاني في التناوب و منحه للإتحاد الإشتراكي. سنة 2011 التدبير الذّكي للغضب المغربي من طرف النّظام أفضى إلى وأْد حركة 20 فبراير و تشكيل حكومة من طرف حزب ذي مسحة دينيّة على هوى كَمّاشة الرّبيع العربي.
سنة 2002 لَمْ تَعُدْ هناك من حاجة إلى الإستمرار في تناوب ممنوح فقد غايته و هي تسليم و استلام المُلْك و اليوم لم يَعُد النّظام في حاجة إلى حزب بهوى ديني فرضته رياح خريف غضب لَم يجُرّ على العرب إلاّ الدمّار و إبادة الشعوب
.
وضْعُ البيجيدي اليوم 2016 هو وضْع الإتحاد الإشتراكي سنة 2002 و وضْعُ الپام اليوم 2016 هو و ضع حزب الإستقلال سنة 2002 و الجديد سنة 2016 هو أنّ الپام صار له قائم مقام و هو حزب الأحرار الّذي لديه حريّة مناورة أكبر من حزب التراكتور لعرقلة و حتّى إفشال تشكيل حكومة من طرف البيجيدي بله و حتى حشر بنكيران و حزبه في الزّاوية !!