يوسف لهلالي: ترامب  يسير بالعالم نحو حرب تجارية لا أحد يعرف  انعكاساتها؟

يوسف لهلالي: ترامب  يسير بالعالم نحو حرب تجارية لا أحد يعرف  انعكاساتها؟ يوسف لهلالي

القرارات الحمائية الأمريكية وشعار "أمريكا أولا" هي خطوات يمكن أن تأخذ العالم إلى حرب مفتوحة وشاملة، العالم لم ينس، أن أزمة 1929 والقرارات الحمائية التي اتخذتها الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأوروبية كانت أحد الأسباب الرئيسية لتزايد التوتر  في العالم وفي إشعال لهيب الحرب العالمية الثانية من أجل البحث عن المزيد من المواد الأولية والبحث عن الطاقة.

قرارات الرئيس الأمريكي اليوم لا تستهدف فقط الصين بل تمس أقرب حلفاء أمريكا وهم: كندا، المكسيك وبلدان الإتحاد الأوربي، التي هي بلدان حليفة مند نهاية الحرب الثانية. سياسة ساكن البيت الأبيض تهدد كل الإتفاقات التجارية التي تم بناؤها عبر عقود والتي تطلبت عمل حكومات متعددة وعلى فترات زمنية طويلة. وهي قرارات تهدد السلم والإستقرار في العالم، وقال الرئيس الفرنسي إيمانييل ماكرون حول هذه السياسة "إن القومية الاقتصادية هي الحرب". ردا على شعار الرئيس دونالد ترامب "أمريكا أولا".

هذه القرارات الأمريكية دفعت باقي البلدان إلى الرد على القرار الأمريكي، التي تعمل بالإضافة إلى الصين على استهداف منتوجات الولايات الأمريكية التي صوتت لصالح ساكن البيت الأبيض، وذلك من أجل استهدافه في الإنتخابات الكونغريس التي ستعقد في سنة 2019.

طبعا هذه الوضعية تجعل الجميع يتذكر الأزمة العالمية التي ضربت الإقتصاد العالمي سنة 1929 وتداعياتها على باقي العالم والتي اعتبرها أغلب المؤرخين هي السبب الرئيس في اندلاع الحرب العالمية الثانية التي خلفت دمارا شاملا وملايين الضحايا، وقلبت موازين العالم الذي كانت تحكمه قوى استعمارية مثل بريطانيا وفرنسا لتظهر قوى جديدة على المستوى الاقتصادي والعسكري بعد الحرب الثانية وهي الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفياتي، وتم بناء نظام عالمي جديد مبني على التوازن بين الغرب الرأسمالي والشرق الشيوعي.

هذه الأزمة التي بدأت من الولايات المتحدة، من خلال انهيار بورصة "وال ستريت" بنيورك في أكتوبر 1929، وإقفال المعامل والمصانع بمختلف الولايات الأمريكية، لتنتقل الشرارة الأولى لهذه الأزمة إلى أوروبا خاصة ألمانيا والنمسا التي كانت بها استثمارات أمريكية كثيرة. وسحب هذه الرساميل أدى إلى انهيار الاقتصاد في هذه البلدان. وانهيار أمريكا كان له تأثير سلبي على أمريكا اللاتينية، أوربا، إفريقيا وآسيا، وأصبح من المستحيل بيع المواد الأولية من  قهوة، سكر، وزيت وغيرها من المواد الأولية التي كانت تستعمل في الاستلاك اليومي.. البرازيل أحد أكبر مصدري القهوة في العالم آنذاك لم من يشتري القهوة التي أصبحت تستعمل في محرك القطارات.

في سنة 1930 نهجت الولايات المتحدة الامريكية سياسة حمائية على باقي العالم وهو ما دفع دول باقي البلدان إلى الرد عليها، وهو ما عقد الوضعية الاقتصادية في العالم، حيث اختارت هذه البلدان المواجهة الاقتصادية بدل التعاون لتجاوز الأزمة وتم اللجوء إلى السياسة الفردية، وحاول كل بلد النفاد بجلده وهو ما زاد من تأزم وضعية الاقتصاد العالمي وانهياره لتليه بعد ذلك الحرب العالمية الثانية التي سوف ينبطق عنها عالم جديد تميز بمؤسسات الأمم المتحدة التي هيمنت عليها الدول المنتصر وخلف مؤسسات مالية مثل صندوق النقد الدولي وانقسام العالم في إطار الحرب الباردة بين الشرق السوفياتي والغرب الأمريكي.

الرئيس الأمريكي الذي  يستمر في تأجيج السياسة الحمائية وترديد سياسة قومية متطرفة وهي "أمريكا أولا"، هي سياسة سوف تثير عدوانية باقي القوميات وهو ما سيؤدي بالتأكيد إلى حروب تجارب عالمية وإلى اضطرابات كبيرة في النظام العالمي الذي تم بعد الحرب بناؤه بعد الحرب العالمية الثانية. الأزمة الأخيرة لسنة 2008 والتي انطلقت من أمريكيا، تم احتواؤها بفضل الإجراءات الامريكية وتعاون باقي العالم من خلال إنقاذ الأبناك وضخ سيولة كبيرة في الاقتصاد في الاتحاد الأوربي وخفض نسبة الفائدة لسنوات من طرف الاحتياطي الفدرالي بواشنطن، وهو ما مكن من الخروج منها وتعاف الاقتصاد العالمي بعد أن استرجع النمو والذي أصبح اليوم أكثر اضطرابا بفعل قرارات ترامب و"سياسة أمريكا أولا".

السياسة الفردية كانت لها دائما انعكاسات سلبية، قبل الحرب العالمية وبعد الأزمة الاقتصادية اختارت بريطانيا وفرنسا التراجع نحو مستعمراتها، في حين وجدت ألمانيا وإيطاليا نفسهما بدون متنفس، وهو ما جعل ميسوليني يهاجم إثيوبيا سنة 1935 وألمانيا تهاجم  تشيكوسلوفاكيا وبولونيا لأسباب اقتصادية واليابان يهاجم منشوريا، وهي حروب وقعت بعد الأزمة الاقتصادية وهي للبحث عن  المواد الأولية والطاقة وهو ما أدى الى اشتعال الحرب العالمية الثانية.

لتجنب أسباب هذه الحرب المميتة تم خلق العديد من المؤسسات الدولية، منها صندوق النقد الدولي الذي له مهمة إنقاذ عملة الدول الأعضاء من أي انهيار المنظمة العالمية لتجارة، من أجل تشجيع التبادل الحرب ومحاربة الحمائية، ووضع قواعد للاقتصاد العالمي يحترما الجميع وهي كلها منظمات مكنت الولايات المتحدة من بسط سيطرتا على العالم وعلى اقتصاده، بفعل قوة اقتصادها واستعمال الدولار في أغلب المعاملات التجارية التي يعرفها العالم اليوم، وهو ما يجعل أمريكا قوة كبرى على المستوى الاقتصادي والسياسي لكن قوتها مرتبطة بباقي العالم، الصين التي يعتبرها اقتصادها ثاني قوة في العالم تضع مدخراتها في شراء سندات الخزينة الامريكية، وسحب هذه الأموال من طرف الصين يمكن أن يؤدي إلى انهيار للاقتصاد الأمريكي والعالمي.

 اليوم التساؤل مطروح لماذا يريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تخريب كل هذه المؤسسات التي كانت أمريكا رائدة وأساسية في بنائها بعد الحرب العالمية والتي ساهمت في استقرار العالم؟ وما هي الأهداف التي تحرك ساكن البيت الأبيض الجديد؟ وهل هو واعي بخطورة الخطوات الاستفزازية التي يقوم بها سواء بالنسبة لبده أو لباقي بلدان العالم؟

خطورة الوضعية العالمية اليوم أن أمريكا انتخبت رجلا هو غير واعي بالإبعاد الاستراتيجية للخطوات والتصريحات المتتالية التي يقوم بها. بل ان التسريبات القادمة من واشنطن تقدمه على أنه رجل لا يأخذ بعين الإعتبار تقارير الاستخبارات الأمريكية ولا مؤسسات الدفاع التي تقدم تقارير لرئيس ومستشاريه في اتخاذ قراراته ومن اجل فهم أبعادها؟ فهل يقود ترامب العالم نحو الهاوية، وهل هناك عجز مؤسساتي في واشنطن من أجل إيقاف هذه الخطوات غير المحسوبة؟

وهل هناك استراتيجية أمريكية من اجل تغيير النظام الاقتصادي العالمي في شكله الحالي لأنه لم يعد يلائم الإقتصاد الأمريكي؟ هناك تساؤلات كثيرة ومعلومات متضاربة تأتي من واشنطن ولا نعرف أي مسار سوف تأخذه وهي أحيانا متضاربة. آخرها الأمر الذي  قدمه الرئيس الأمريكي إلى الرياض من أجل الرفع من انتاج البترول لكي لا يرتفع سعره بشكل كبير وهو الأمر الذي يضر ببلده وبالمواطن الأمريكي خاصة أن انتخابات الكونغريس هي على الأبواب. لكن في نفس الوقت التصعيد مع طهران، وعدم الحسم في الوضع بسوريا، وتخلي واشنطن على حلفائها المحلين في هذا النزاع هي كلها تناقضات لا تجعل المتتبع  يفهم إلى أية وجهة سوف يأخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العالم حتى الآن الوجهة مجهولة.