معاشات البرلمانيين الشجرة التي تخفي غابة «الملهوطين» على الريع!

معاشات البرلمانيين الشجرة التي تخفي غابة «الملهوطين» على الريع!
حين حطّت طائرة الانتخابات التشريعية بحزب العدالة والتنمية بـ «مطار» الحكومة والبرلمان، بفضل أصوات «شعب المداويخ»، وبالرغم من أنهم كانوا لا يشكلون إلا «أقلية» (إذ لم يصوت عليهم سوى 3 في المائة من مجموع الناخبين!)، استطاع حزب بنكيران أن يضمن «الأغلبية» التي بوأته رئاسة الحكومة بـ «كمشة» من الأصوات هي التي أحدثت الفارق ووضعت مغرب «الريع» بين كمّاشة حزبه. لكن قبل أن يزفّ بنكيران -في مشهد «جنائزي» على الأقل بالنسبة لحزب المقاطعين- ويصعد فوق «عمّارية» الحكومة بالطبول والمزامير والأهازيج، قدم وعودا وبرامج  في الحملة الانتخابية لحزبه، متبنيا خطابا «كاذبا» و«منافقا» و«مضللا»، بمحاربته للريع والفساد. لكن بعد حصوله على «الغنائم» على ظهر أصوات الشعب، وعلى رأسها غنيمة «تقاعد البرلمانيين»، تحوّل إلى أكبر «حارس» للريع، ولعل أبرز صورة لهذا الريع هو دفاع حزب «البيجيدي» عن «معاشات البرلمانيين» وتوفير «الحصانة» القانونية لتسمين هذا الصندوق، لكنه بالمقابل أجهز على صناديق التقاعد من خلال سنّ تشريعات ظالمة ولاشعبية مازال «الدراويش» يدفعون ضريبتها إلى اليوم.
صحيح أن بنكيران لما جاء للحكومة عام 2012 وجد المراسيم والقوانين جاهزة لـ «تعليف» البرلمانيين، لكنه بالغ في «الاجتهاد» لسحق تقاعد المأجورين الكادحين وامتصاص عرقهم، ووفّر الحماية والمظلة القانونية لتسمين معاشات البرلمانيين، مع العلم بأنه كان يدعي بأن منبت حكومته من الشعب، لكن «المنبت» الحقيقي لزعماء حزبه الذين سطوا على معظم المناصب السامية في دواليب الحكومة هو «أعشاش الريع» التي بنيت على شجرة البرلمان الذي تحوّل إلى مزرعة «فراخ» تبيض ذهبا.
حين اندلعت أزمة صناديق التقاعد لم يعدم بنكيران الحلّ، واهتدى إلى الوصفة سريعا، على الرغم من أن أزمة صناديق التقاعد هي أزمة بنيوية ناتجة عن سوء تدبير الدولة لهذا القطاع لعقود، وهو ما قاده إلى الإفلاس في غياب التعامل مع أموال هذه الصناديق بنوع من الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة وتحمل الدولة لمسؤوليتها من خلال غياب الشفافية في مسألة توظيف أموال المتقاعدين. بنكيران لم يشأ أن تظل في ملعبه الكرة «الملتهبة» لأزمة صناديق التقاعد، فدحرجها في ملعبهم، من خلال سنّ إجراءات «فاشية» برفع سن التقاعد في الوظيفة العمومية من 60 إلى 63 عاما، حيث سيتخذ هذا الرفع طابعا تدريجيا إلى غاية 2024.  كما ألزم الدولة والموظفين برفع انخراطاتهم في الصندوق المغربي للتقاعد من 10 إلى 14%، مع تخفيض نسبة معاشات الموظف والمستخدم! وانتهى الكلام.
لكن الأزمة اشتعلت من جديد، وانتقلت هذه المرة إلى صندوق تقاعد البرلمانيين الذي كان قريبا من الإفلاس قبل أن يتدخل لحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب الذي تحول إلى «إطفائي» ليس لإخماد الحرائق المشتعلة في الأسعار، بل لينقذ صندوق معاشات البرلمانيين من إفلاس وشيك، بالتنسيق مع سعد الدين العثماني وحكيم بنشماس، رئيس مجلس المستشارين، فكان الحل هو ضخّ المزيد من «الدماء» وامتصاصها من عروق المغاربة دافعي الضرائب.
لكن ذلك لم يكن إلا جزءا من حلّ مشكلة لا تتعلق بانشغالات الرأي العام ومشاكلهم وقضاياهم وملفاتهم اليومية العالقة، بل تخص «بقرة» البرلمان «الحلوب» التي جف ضرعها من كثرة «الحلب». لهذا يمكن تفهّم النقاش الصحي الدائر اليوم بالتخلّص من «بقرة الرّيع» هاته، بدل البحث عن حلول لإطالة عمر «بقرة» شاخت وهي على حافة الاحتضار. من هنا يمكن تفهّم مقترح القانون الذي قدمه البرلمانيان مصطفى الشناوي وعمر بلافريج باسم «فيدرالية اليسار الديمقراطي» بإلغاء تقاعد البرلمانيين، والتقاطه كمؤشر إيجابي على أن هناك أصواتا «عاقلة» بالبرلمان تفكّر بحكمة، وتريد أن تصلح «خطأ» قديما مازال الشعب يدفع ضريبته.
ينص مقترح «فيدرالية اليسار» في ديباجته على أن العضوية في مجلسي البرلمان هي مهمة وطنية تتمثل في تمثيل الأمة. من هنا فهي ليست مهنة كباقي المهن أو علاقة تعاقدية أو مهنية تستوجب تقاضي راتب والاستفادة من معاش، بل علاقة تمثيلية سياسية يقوم على إثرها النائب بتمثيل الأمة خلال فترة محددة من الزمن مقابل تعويض يضمن استقلاليته ويمكنه من القيام بمهامه بجدية. وبناء عليه فإن هذا القانون يهدف إلى إلغاء نظام معاشات أعضاء البرلمان، لينسخ القانون رقم 24.92 المنظم لمعاشات أعضاء مجلس النواب، والذي جرى تعديله عام 2000 ليشمل أيضا أعضاء مجلس المستشارين بمقتضى القانون رقم 99.53 من طرف الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين التابع لصندوق الإيداع والتدبير.
في الاتجاه الآخر، تشبثت بعض الفرق النيابية بقيادة فريق «العدالة والتنمية»، وفريق «التجمع الدستوري»، والفريق «الاستقلالي»، وفريق «الحركة الشعبية»، «والفريق الاشتراكي»، والمجموعة النيابية «للتقدم والاشتراكية» بنظام معاشات البرلمانيين، ووضعت مقترح قانون في مجلس النواب بتاريخ 12 يونيو 2018 يحدد نظاما جديدا لصرف هذه المعاشات وليس إلغاءها.
المقترح الجديد لم يلق ترحيبا وجرّ سخطا شعبيا عارما على حزب العدالة والتنمية التي اتهمها نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأنه يحاول «الالتفاف» على المطالب الشعبية بـ «تصفية» و«ردم» هذا الصندوق الذي يمثل بالنسبة لها أبشع أنواع «الريع السياسي» إذا نظرنا إلى أن مهمة البرلماني محصورة زمانا ومكانا، وليست وظيفة تستحق أن يتقاضى عنها البرلماني تقاعدا مريحا يثقل خزينة الدولة بمجرد نهاية ولايته البرلمانية.
سعي حزب العدالة والتنمية مع باقي الأحزاب الأخرى «تمرير» هذا القانون بشبيه بالمناورات التي قام بها عبد الإله بنكيران في الحكومة السابقة بإصلاح صناديق التقاعد، «إصلاح» يحمل بذور «فساد» وتشبثا بـفلسفة «الريع»، لاسيما وأن هناك وجوها أخرى لمظاهر الريع و«اللهطة» على استنزاف المال العام من خلال الجمع بين العديد من المناصب والمهام الانتدابية بمجالس «صورية» تدر رواتب سمينة تؤكل «ببرودة». أمّا الحديث عن معاشات البرلمانيين فهو كالحديث عن الشجرة التي تخفي غابة من «الامتيازات» و«الريع السياسي» النّابت في قبة الشعب، وحان الوقت لاجتثاث هذه «الغابة» من جذورها!؟