بمجرد ما نشر موقع "أنفاس بريس" تصريحي الذي اعتبرت فيه أن مطالبة بعض الهيئات المدنية الدولة المغربية "بطرد الوفد الإسرائيلي المشارك في قمة المناخ بمراكش"، ليست مطالبة منطقية وتتقاطع مع السياسة العدائية لإيران تجاه بلادنا، بالنظر إلى أنْ لا حق للمغرب - بوصفه مجرد بلد مستضيف - في حرمان أي دولة كاملة العضوية في منظمة الأمم المتحدة من المشاركة في مؤتمرات هذه المنظمة. بمجرد نشر هذا التصريح تلقفته بعض قيادات التيار الذي يصف نفسه بالمناهض للتطبيع مع إسرائيل وهي القيادات المشاركة في الوقفة الاحتجاجية التي دعت إليها أمام مبنى البرلمان للتنديد بما أسموه "تورط المغرب في التطبيع مع إسرائيل من خلال بوابة مؤتمر المناخ بمراكش".
سباب وشتم وتخوين!
أول من تلقف التصريح بغرض كيل السباب والشتيمة - كما هي عادتهم - هو الكاتب العام لما يسمى "المرصد المغربي لمناهضة التطبيع" عزيز هناوي أحد الوجوه القيادية بحزب العدالة والتنمية ودراعه الدعوي حركة التوحيد والإصلاح. إذ علق على دفعي بسلامة الموقف المغربي بشأن نازلة مشاركة إسرائيل في قمة مراكش واصفا إياي "بالزبالة"، بل وصل به الأمر حد اتهامي بالعمالة لإسرائيل.
تدوينته التي نشرها على صدر صفحته على أحد مواقع التواصل الاجتماعي سرعان ما تلقفها "صديقه" أحمد رامي (أحد الضباط الذين شاركوا في محاولتين انقلابيتين للاطاحة بالنظام الملكي بالمغرب)، ليعلق عليها بدوره قائلا: "الفرياضي هو عميل مأجور للموساد الإسرائيلي وخائن لبلده ولدينه ولأمته. ويظهر أن الفرياضي ليس سوى جزء من طفيليات وحشرات وعملاء وسخين وحقيرين ووقحين أفرخهم نظام صهيوني يحكم المغرب منذ قرون ولا يجرؤ حتى الآن على إظهار وجهه الحقيقي أمام الشعب".
دروس في الوطنية... لكن مِمَن؟
سيبدو - لمن لا يعرف من يكون أحمد رامي على الأقل- أن ما دفع الرجل إلى كيل الشتيمة والسباب لي حد تخويني، كما صديقه هناوي تماما، ليس سوى حبه للوطن وبغضه للخونة والمتآمرين. لكن هيهات أن يكون الأمر على هذا النحو. فأحمد رامي للتذكير هو أحد ضابط سابق بالجيش المغربي، هرب إلى السويد حيث يقيم حاليا بعد مشاركته في التنظيم والتخطيط لمحاولة انقلاب الصخيرات تحت إمرة امحمد اعبابو قائد مدرسة أهرمومو العسكرية والجنرال محمد المدبوح عبر محاولة اغتيال الملك الراحل الحسن في عيد ميلاده الثاني والأربعين يوم 10 يوليوز 1971. كما ساهم أيضا في التخطيط والمشاركة في محاولة الإنقلاب العسكري الفاشلة يوم 16 غشت 1972، التي قادها الجنرال محمد أوفقير والكولونيل أمقران والوافي كويرة، من خلال محاولة اغتيال الحسن الثاني عن طريق مهاجمة طائرة البوينغ 727 الملكية القادمة من برشلونة بعد رحلة لفرنسا، موظفين لذلك ست طائرات حربية من طراز F-5 التي انطلقت من قاعدة القنيطرة. هذا هو الوطني الغيور الذي يأتي اليوم إذن ليلقنني الدروس في الوطنية والوفاء للوطن!
وقفة الرباط... لمسة إيرانية مكشوفة!
عندما صرحت لموقع "أنفاس بريس" بأن الهجمة الشرسة التي يشنها هناوي ورفاقه على الدولة المغربية ومؤسساتها ليست هجمة بريئة وإنما تشتم فيها رائحة أجندات خارجية، فإنني بعد تفاعل الانقلابي الهارب من العدالة أحمد راعي مع هذه الهجمة زدت إيماناً واقتناعا بأن لإيران يد في تلك الهجمة وأيضاً في إخراج الوقفة التي نظموها أمام مقر البرلمان. كيف ذلك؟
الاتهامات التي تقاسمها في حقي هذا الإنقلابي مع صديقه من حزب العدالة والتنمية هناوي لم تشف غليله، حيث استرسل كاشفا ما يضمره بالقول "لو كان في المغرب نظام إسلامي ديمقراطي شرعي حقيقي يمثل مصالح وإرادة الشعب المغربي لما كان هناك وجود في المغرب لعملاء وقحين مثل العميل الخائن الفرياضي يجرؤن على ممارسة الخيانة والدعوة للخيانة بكل وقاحة". إذا ظهر السبب بطل العجب كما يقال، فالرجل يمني النفس كما هو واضح بالإطاحة بالنظام الملكي وإقامة نظام إسلامي محله تابع للنظام الشيعي لإيران (وهذا ما تكشفه الصور المرفقة والتي توثق لاتصالاته بالمراجع الشيعية وبقيادات حزب الله: في الصورة جالسا: الخائن والإنقلابي أحمد رامي مع نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم. وفي الصورة واقفا مع المرجع الشيعي محمد حسين فضل الله).
المغرب الإيراني ...ما موقع الإسلاميين المغاربة!
الذي بات مؤكدا إلى حد الآن هو أن الإنقلابي أحمد رامي يسعى حثيث الخطى في التنسيق مع القيادات الشيعية الموالية لإيران وخصوصا بلبنان؛ أملا في تأسيس نظام موال لجمهورية "الملالي" و"آيات الله" في طهران لتدارك فشله السابق في إسقاط النظام الملكي بالمغرب. حيث سخر لذلك إذاعة يديرها من السويد تحت مسمى (راديو إسلام). لكن التحريض الإعلامي وحده غير كاف لتنزيل المشروع الإيراني إذا لم يكن لهذا المشروع أتباع على أرض الواقع أو على الأقل حلفاء تكتيكيون له. وهو ما كشفه في حوار سابق أجراه مع أحد المواقع الإلكترونية المغربية.
فعندما طرح عليه السؤال حول فحوى لقاءاته مع قيادات من العدل والإحسان ومع قيادات في حزب العدالة والتنمية، أجاب رامي قائلا "أعتبر نفسي جزءاً من تيار الحركة الإسلامية بكل مكوناتها. ومنظماتها هي الوحيدة القادرة على تحرير المغرب وإنقاذه من الطغيان والفساد". مضيفا أن "التيار الإسلامي وإن كان بشكل غير منظم لحد الآن فله امتدادات طبيعية في كل قطاعات مجتمعنا، في الشارع، في الجامعات، في التعليم، في القطاع العمالي، وفي الإدارة والجيش وحتى الشرطة".
وبما أن البعض سيستبق الأمور فيقول إن حركات الإسلام السياسي بالمغرب ذات توجه سني ولن تقبل بالتماشي مع مشروع إيراني ذي مرجعية شيعية، فإن رامي يسترسل ليجيب عن هذا الإشكال بتأكيده في نفس الحوار على أنه "لا بد لكل مكونات الحركة الإسلامية أن تتحلى بالقدر الكافي من الحكمة والذكاء والكياسة والنضج لبناء تحالف متين لتحقيق الوحدة في الهدف مع التعددية الذكية في الوسائل والتكتيك، وهي تعددية تكاملية خصوصا في الظروف الصعبة التي يمر فيها شعبنا" على حد تعبيره.
من ثمة يبدو أن الغرض من تلك اللقاءات واضح ومصرح به، ألا وهو "بناء تحالف تكتيكي بين الإسلاميين السنة والشيعة ما دام الهدف واحدا وهو إسقاط النظام". ومما يعمق من رجاحة هذا الدفع هو استرساله في الإجابة عن سؤال محاوره حين قال "أما عن اللقاء الذي ذكرت فلا أريد الآن أن أقول أي شيء عن لقائي بالإخوة قد يستغل ضدهم".
لكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة الآن هو: ما الذي دار بينه وبين قيادات حزب العدالة والتنمية وجماعة العدل والإحسان يا ترى ويمكن أن يستغل ضدهم إن هو صرح به وبالتالي وجب كتمانه؟ الجواب ربما لم يعد خفيا، بل هو واضح وضوح الشمس في كبد السماء. لكن لا بأس من التذكير بواقعة لها دلالات عميقة تصب فيما نحن بصدده. يتعلق الأمر بإصرار الأستاذ خالد السفياني الذي بات اليوم أكثر قربا من الإسلاميين - بصفته الأمين العام للمؤتمر القومي الإسلامي - على بعث برقية تعزية إلى الأمين العام لحزب الله الشيعي اللبناني في مقتل القيادي بذات الحزب سمير القنطار على الأراضي السورية السنة الماضية.
ملحوظة:
(السفياني والقوميين العرب المغاربة الآخرين معه أجبرهم زوال نظام صدام حسين على ضرورة استبدال القومية العربية بالقومية الإسلامية وتولية وجوههم شطر طهران عبر بوابتي حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية)