البدالي: الخطر القادم من داخل المغرب

البدالي: الخطر القادم من داخل المغرب صافي الدين البدالي، فاعل حقوقي وقيادي بحزب الطليعة الديمقراطي الإشتراكي

كل الدول المتقدمة تسعى إلى حماية نفسها من أي خطر قادم من الخارج و ذلك بتأمين حدودها من خلال توسيع اتحاداتها الإقتصادية والاجتماعية و السياسية: (الإتحاد الأوربي، تجمع دول جنوب شرق آسيا)، وتقوية تحالفاتها العسكرية مثل << حلف الناتو>> ومن خلال تطوير سلاحها العسكري و بواسطة دبلوماسية متعددة الإختصاص لحماية مصالحها عبر العالم. كما أنها تعمل على تحصين جبهتها الداخلية من أي خطر قادم من الداخل، بأعمدة الديمقراطية، التي هي من الشعب و إلى الشعب، حتى تكون المساءلة و المحاسبة هي القاعدة في تدبير شؤون الحكم، و باحترام حقوق الإنسان في كونيتها و شموليتها، و جعل القضاء رافعة أساسية مستقلا ونزيها، من أجل حماية الأمة و صيانة معادلة الحقوق و الواجبات التي لا تخضع للتعليمات و لا للأوامر. أما الدول العربية و الإسلامية فإنها تعمل على تامين نفسها من أي خطر قادم من الخارج و خاصة من الدول المجاورة، بضخ آلاف المليارات من الدولارات في ميزانية الدفاع، لاقتناء الأسلحة و المعدات العسكرية، وبالبحث عن تحالفات خارج المحيط الجغرافي وخارج السياق التاريخي أو الثقافي أو الديني. وتستغل الدول الإمبريالية /الصهيونية التناقضات الثانوية بين هذه الكيانات لإذكاء الصراع و هاجس الخوف بينها حتى تصبح منشغلة بالخطر القادم من الخارج و خاصة من الجيران، لتعرض خططها المدمرة و مبيعاتها من الأسلحة. فالسعودية مثلا أنفقت في السنوات الأخيرة 11 مليار دولار في مجال التسلح أي ما يتعدى إنفاق إسرائيل و إيران و روسيا مجتمعة، هذا مع العلم أن إعادة بناء لبنان لا تتطلب إلا 3 مليار دولار. أما إيران فإنها لجأت إلى روسيا للتسلح وصناعة الأسلحة في أفق التفوق على دول المنطقة.

وحسب تقرير الكنغريس الأمريكي الصادر في شتنبر 2009، فإن سوق الأسلحة سنة 2008 عرف رواجا بلغ 55 مليار دولار حيث احتلت الإمارات العربية الرتبة الأولى بالنسبة لدول العالم الثالث من حيث التسلح ب 7,9 مليار دولار، وتأتي السعودية في الرتبة الثانية ب8,7 مليار دولار ثم المغرب ب 5,4 مليار دولار.وتسعى أمريكا إلى بيع أحدث الأسلحة للسعودية لتعويض الأسلحة التي أصابها الصدأ. كما تسعى بريطانيا إلى تحديث أسلحة الأردن و غيرها من دول الخليج و الشرق الأوسط. و فرنسا منهمكة هي أيضا في بيع أسلحة إلى ليبيا بقيمة 400 مليون دولار، و يتابع الروس عقد صفقات مع الجزائر من أجل أسلحة أخرى ذات أرقام قياسية وصلت إلى 7,2 دولار. و كذلك مع النظام الإيراني و النظام السوري. هذا دون احتساب الصفقات السرية للأسلحة المبرمة خارج نطاق المراقبة.

فإذا كانت هذه الدول تعمل على رد أي خطر قادم من الخارج فإنها لم تأخذ بعين الإعتبار الخطر القادم من الداخل الذي لا طعم له و لا لون ولا برنامج ولا توقيت محدد. و هو الخطر الذي لا يرحم الأبرياء، وهو الخطر الذي تنتجه آلة الاستبداد والقمع والإستغلال والحكم المطلق السائدين في هذه الدول، وتنتجه كذلك سياسة إسكات صوت الشعب واعتباره بأنه قاصر لا يعرف مصلحته ،كما يذكيه الفقر الذي أصبح هو السمة العامة في هذه البلدان ،حيث يشير تقرير خبراء للجامعة العربية بتاريخ 20 /12 /2009 إلى ارتفاع معدلات الفقر إلى نسبة 40 / 100 مع ارتفاع نسبة البطالة وسط الشباب حامل الشهادات إلى 50 /100. وترفع هذه الدول شعار حماية الأمة من خطر الدول المجاورة، لتقمع كل الحركات الشعبية المطالبة بتحسين أوضاعها الاجتماعية و الإقتصادية و السياسية، ولتضرب الخناق على الحريات العامة الفردية و الجماعية منها. و لا تسمح للشعب بممارسة حقه في تقرير مصيره السياسي والإقتصادي و الإجتماعي عبر انتخابات تسودها النزاهة الفعلية و ليست المزيفة.

إنه لمن المؤكد أن هذه الأسلحة لن تنفع عددا من هذه الدول لرد قدر الخطر القادم من الداخل. فالنظام الإيراني، رغم كل الأسلحة التي يمتلكها ورغم خردة الأسلحة التي اشتراها من روسيا بعد انهيار الإتحاد السوفيتي و التي يسعى بواسطتها وضع ميزان القوى لصالحه بالمنطقة، لن يستطيع رد قدر الخطر القادم من الداخل و الذي لن يأتي من المعارضة الداخلية العلنية التي استغلت مشيئة النظام في التعامل مع الديمقراطية في الإنتخابات الرئاسية لتحريك الشارع،ولكن سيأتي من الطوائف الإيرانية الدينية منها و القومية ومن القوميات غير الفارسية التي تعيش على التهميش و الإقصاء.

إن خطر التطرف الديني و الطائفي القادمين لن يستأذنا النظام الإيراني كي يحصدا أرواح الأبرياء مستغلين المناخ الاستبدادي الذي أصبح سائدا في الشارع الإيراني.وستتحول إيران، إذا ما استمر النظام يلعب بنار الحكم المطلق، إلى جزيرات للتطاحن. وسيتحول الشارع إلى ساحة معارك يكون الضحية فيها هو المواطن الإيراني. ولم تنفع النظام اليمني الأسلحة التي ظل يقتنيها منذ توحيد شطري اليمن لرد خطر التطرف الديني الذي يتزعمه الحوثيون وخطر الزعامات الشعبية الجديدة في الجنوب وفي الشمال الشرقي بالإضافة إلى خطر الجنوبيين.

ولن ينفع النظام الجزائري تكديس الأسلحة، بحجة تأمين الأمة من خطر الدول المجاورة، لمواجهة الخطر القادم من الداخل والذي أصبح يتجلى في خطر التطرف الديني من جهة وخطر العصبية من جهة أخرى و أيضا من خطر اللوبي العسكري الذي تحول إلى غول لن تنفع معه الطائرات الروسية ولا الدبابات العملاقة. أما الخطر القادم إلى مصر من الداخل سيجد ضالته في المناخ اللاديمقراطي الذي أصبح يخيم على فضاء أم الدنيا كما يسمونها. ويأتي هذا الخطر أيضا من ذوي المنافع ذات الإرتباط بالمصالح الإسرائيلية والذين سيجعلون مصر تدخل حربا داخلية لن تجدي معها الأسلحة المكدسة في الثكنات العسكرية. كما أن التطرف الديني سيشكل خطرا على ليبيا و تونس و موريتانيا بعدما استنفذت هذه الأنظمة كل الألاعيب بنار الديمقراطية التي أدخلت هذه البلدان في حساب تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي من جهة و في حساب الخلايا العسكرية النائمة من جهة أخرى. أما المغرب فالخطر القادم إليه من الداخل، ليس من التطرف الديني أومن تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي، بل من الانقلابيين الجدد الذين تمكنوا من احتلال المؤسسات التشريعية و التنفيذية بتزوير الانتخابات وشراء الذمم، ومن الذين اقترفوا جرائم سياسية و اقتصادية في حق الشعب المغربي وصنعوا من ميلشيات المخدرات والتهريب و الخارجين عن القانون أحزمة واقية لأنفسهم، و من الذين صنعوا أحياء من الصفيح تنتعش فيها كل أشكال التطرف و العنف و الجريمة المنظمة وتشكل كتلا ناخبة مستعدة لبيع أصواتها، ومن المضاربين العقاريين الذين استولوا بطرق ملتوية على أملاك الدولة لخنق أي مواطن يرغب في سكن لائق، و من الذين ينتعشون بالرشوة ويشجعون عليها، ومن الذين يسعون إلى مصادرة الحريات العامة و إسكات أصوات الصحافة، و من الذين حولوا التعليم إلى مطرحة لنفايات التجارب الفاشلة والمؤدى عنها، و حولوا الصحة إلى سوق تباع فيها الأرواح و الأجساد. و من الذين يتاجرون في الأسلحة المهربة و في الأدوية الفاسدة وفي السموم البيضاء. و من الذين يتاجرون في الدعارة ويستغلون بنات هذا الوطن في الداخل والخارج.

إن هؤلاء هم الخطر القادم على الشعب المغربي من الداخل و ليس اليسار صاحب المشروع التحرري و الديمقراطي، الذي يمتلك جرأة الوضوح و النقد و النقد الذاتي وفي نفس الوقت يخاف على هذا الشعب من الخطر القادم من الداخل و ليس من الخطر القادم من الخارج.

إن هذه الدول التي تتسلح خوفا من خطر الجيران من دول عربية أو إسلامية، إنما هي تخدم مصلحة العدو الرئيس و الذي هو الإمبريالية/ الصهيونية. هذا العدو الذي يسعى إلى استغلال الشعوب واستنزاف ثرواتها على يد حكامها. وإلا لماذا يسعى إلى إفشال اتحادات للدول المتجاورة و المتجانسة مثل دول المغرب العربي و دول الشرق الأوسط. إذن إن الخطر القادم من الخارج ليس من طرف دول الجوار كما تزعم هذه الدول ولكن من طرف الإمبريالية/ الصهيونية. وإن مواجهة خطر هذا العدو لن تكون بالسلاح فحسب ولكن بتمكين الشعوب من الديمقراطية الحقة التي تجعلها تتوحد وتتقوى وتفرض إرادتها سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا عبر العالم. وإن مواجهة الخطر القادم من الداخل ليس بالمقاربات الأمنية و الاستخباراتية وبالتنازل للقطاع الخاص المحلي و الأجنبي لحماية منشئات الدولة و مصالحها و بجعل الشعب مجرد رعية، و إنما بالديمقراطية الشاملة التي تمكن الشعب من تقرير مصيره السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي ومن صيانة سيادته وسيادة جيرانه ووحدة وطنه ووحدة وطن جيرانه و كرامة أبنائه وكرامة أبناء جيرانه.