يكد بعضنا في تصنيف البعض الآخر وتوصيفهم برجال اطفاء الفتنة، وقد يبدو أن الأمر أهون من التكفير والتخوين. لكن وجب التنبيه بأنه سيأتي وقت سيندم الجميع على ضياع فرص كثيرة بمخالفة الموعد مع التاريخ، فضحايا حوادث السير يفوق عددهم عدد ضحايا الحرب الاهلية، وضحايا الحرب الباردة أكثر عددا من ضحايا الحروب الحدودية الدموية.. فمن كان حطبا للمعارك المفتعلة، سيظل فحما احتياطيا أو وقودا لتحريك طاحونة التسويات القدرية على الأنقاض ومآسي الناس ودموعهم ودمائهم، وفي أحسن الحالات موضوعا لتشخيص واستثمار التضحيات مع تبخيس قيمتها بامتهان المظلومية وبالتخلي عن الكرامة الواجبة كقيمة انسانية، وحتى التضامن الحاصل يؤطره واجب الإحسان المنتمي إلى قاموس الأمة، عوض ثقافة الحق الذي نحتتها تضاريس الوطن بجثامين الوطنيين.
رحم الله البهجاوي الذي خلف قولته المأثورة عبرة لمن يتعظ "اللي بغا يتبرع، يتبرع من ديالو"، وحفظ الله عبد الله العروي الذي رسخ للعقل المغربي حكمته "تنصرف الحشود وتمكث الوثائق".. وأخيرا ألم يحن الوقت للتخلص من الحماسة الشعبوية والتحميس الشعبوي، فشعار "قتلوهم عدموهم، ولاد الشعب يخلفوهم" شعار مثالي يمتطي صهوة المزايدة والأسطرة. وتمعنوا خريطة الوطن، حيث عدد الأموات أكبر من عدد القبور، وعدد الناخبين أقل من عدد المنتخبين، ولا أحد يهتم بمن صوت حقيقة على من، والأحرى أن يتم الاهتمام بمن حرروا البلاد وبمن حكموها دونهم.. وبكم أم رحلت وفي قلبها غصة فلذة كبدها المجهول المصير.
هي حالة سوداوية فعلا، ولا حل لكي تصير رمادية سوى الوعي والإيمان بأن الظرفية الاجتماعية تستدعي حقوقيين حكماء في مرافقة الحراك والشباب المحتج بمقتضيات التدبير السلمي والمتماهي مع حكامة امنية، اما المثقف فينبغي تحريره من الاحتضار الذي يطوق رسالته وعزيمته في غرفة الانتظار، فهو كالسياسي محتار بين امتطاء نفس المساومة أو المقاومة، في زمن الإرهاب وتصاعد الرجعية.