يوسف لهلالي:الشرارة الأولى للقطيعة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوربيين

يوسف لهلالي:الشرارة الأولى للقطيعة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوربيين يوسف لهلالي
أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الشرارة الأولى للحرب التجارية، من خلال رفع الرسوم الجمركية على الحديد والالومنيوم، لكن أوربا، كندا،المكسيك وهي دول حليفة لواشنطن وكذلك الصين ردت هي الأخرى بعقوبات مماثلة، الحرب التجارية اشتعلت لكن لا احد يعرف كيف ستنتهي وكم ستخلف هذه الحرب من خسار اقتصادية في العالم الذي بدأ يتعافى من أزمة حادة مند سنة 2008 والتي مست القطاع البنكي والأسهم على الخصوص.
آخر فرصة كانت القمة الأخيرة للبلدان السبع الصناعية، لكن القمة التي كانت وسيلة لتجاوز الأزمة تحولت إلى فضاء لأزمة خطيرة وغير مسبوقة في العلاقات بين الدول السبع الكبرى بالعالم والتي انعقدت في شمال كندا مايو في 9و10 من يونيو، والتي سادتها أجواء التفاؤل قبل الندوة الصحفية التي تمت في نهاية اللقاء وتراجع واشنطن عن دعم البيان الختامي للقمة. لتصل الأمور إلى التلاسن عبر التغريدات والاتهامات المتبادلة بين كندا والولايات المتحدة وهذه الأخيرة مع برلين وباريس. وهي سابقة بين هذه البلدان الغربية الحليفة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. إذ لم تشهد أزمة مماثلة وبهذه الدرجة من الخطورة. حيث تهدد بتبديد رأسمال الثقة الذي تتقاسمه هذه البلدان الحليفة على المستوى الاقتصاد والعسكري في إطار الحلف الأطلسي.
هذه المجموعة التي تم بناؤها عبر عقود من المفاوضات خاصة على المستوى التجاري،والعديد من الاتفاقات التجارية عبر المنظمة الدولية لتجارة، يريد دونالد ترامب؛ تدميرها من خلال شعاره "أمريكا أولا" وهو ما يثير تقزز الحلفاء، وعلقت المستشارة الألمانية على هذه الوضعية بالقول "ان ترامب يريد خاسر ورابح بدل سياسة رابح رابح". ترامب يعتبر البلدان الحليفة مثل ألمانيا، وكندا تحقق فائضا تجاريا كبيرا من خلال التبادل مع السوق الأمريكية، لهذا عليها أن تؤدي مقابل ذلك لهذا قرر رفع الضرائب على الصلب والالومينيوم وكذلك السيارات. بل ان الرئيس الأمريكي لا يتردد في مهاجمة ألمانيا ويعتبرها لا تصرف ما يكفي من اجل الدفاع ومساهمتها في الحلف الأطلسي.
هذه الوضعية تسببت في أزمة حادة وغير مسبوقة في العلاقات بين واشنطن وحلفائها الأوربيين وكندا، وكذلك اليابان بعد نهاية قمة السبع شرق كندا. وهي أزمة لم تشهدها علاقات هذه البلدان منذ نهاية الحرب الكبرى. بعد تراجع دونالد ترامب عن تأييده للبيان الختامي للقمة الذي ساهمت واشنطن في صياغته.
وحملت واشنطن مسؤولية الفشل إلى رئيس وزراء كندا جاستن ترودو وذلك بعد مغادرة دونالد ترامب إلى سنغفورة لحضور القمة التي جمعته برئيس كوريا الشمالية كيم جونك اون،.فرنسا بدورها انتقدت بشدة قرار ترامب واتهمت الرئيس الأمريكي بـ"تهديم الثقة "وتبني "مواقف متناقضة."وهو نفس الموقف الذي عبرت عنه حليفتها ألمانيا من خلال تصريحات لانجيلا ميركيل.
وبعد سحب واشنطن لتأييدها للبيان الختامي شن كبير المستشارين الاقتصاديين لرئيس الأمريكي هجوما على رئيس وزراء كندا وحمله مسؤولية فشل قمة السبع "لأنه طعننا في الظهر" ووصفه بـ"الضعيف والمخادع" بعد تصريحاته في الندوة الصحفية التي تلت نهاية القمة والتي قال فيها ان الرسوم حول الصلب والالومنيوم "مهينة" نظرا لتاريخ العلاقات بين البلدين. مضيفا أن بلده سوف تتخذ إجراءات انتقامية.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نجح حتى الساعة في تقوية سياسته لعزل الولايات المتحدة الأمريكية عن باقي العالم من خلال اتخاذ قرارات ومواقف تجعل واشنطن بعيدة عن باقي العالم بل تزيد من كراهية الاخرين لها، وذلك من خلال العديد من المواقف والقرارات أهمها قرار نقل سفارة أمريكا من تل أبيب إلى القدس و هو قرار اتخذه ضد رأي جميع مستشاريه الدبلوماسيين والأمنيين، لكن يبدو انه يفضل السباحة ضد التيار، هذا دون نسيان مواقفه في العديد من الملفات والتي تعزل أمريكا عن باقي العالم، من خلال مواقفه الأحادية وسياسته "أمريكيا أولا" في جميع المجالات دون مراعاة تعقد العلاقات الدولية ودور أمريكا كقوة عظمى اقتصادية وعسكرية والتي تجسدت في خروجه من اتفاق باريس حول المناخ الذي تطلب الوصول إليه عدة سنوات من العمل ، وتصريحاته معادية للإسلام، أو تصريحاته التحقيرية تجاه افريقيا، بالإضافة إلى موقف جد سلبي من الهجرة المتدفقة نحو امريكا ومنع العديد من البلدان من التأشيرة الأمريكية التي يعتبرها غير أمنة، بالإضافة إلى عدم تردده في تهديد البلدان التي لن تصوت لصالح الملف الأمريكي في تنظيم كاس العالم. وهي سابقة ، من خلال استعمال الضغط السياسي على الجامعات الرياضية المفروض فيها الاستقلالية عن الحكومات. بالإضافة إلى ضربه بعرض الحائط الاتفاقيات التي تمت في إطار المنظمة العالمية لتجارة.
بعد قمة السبع، اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المواجهة والقطيعة حتى مع حلفائه فيما يخص تنظيم التجارة العالمية واختار بشكل احادي رفع الضرائب الجمركية على منتوجات، مثل الصلب والالومنيوم دون الأخذ بعين الاعتبار الاتفاقات التي تجمعه مع بلدان قريبة مثل كندا والمكسيك بالإضافة إلى بلدان الاتحاد الأوربي واليابان، وهي كلها بلدان لها صفة حليفة أو الصديقة لواشنطن على المستوى الاقتصادي وكذلك العسكري، لكن ترامب اختار القطيعة وإشعال الحرب التجارية مع الجميع بمن فهم الحلفاء. وهو ما يطرح العديد من الأسئلة حول التطورات التي سوف يعرفا العالم وهل سيتجه إلى تكوين تحالف ضد واشنطن ، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن العديد من العقوبات الدولية عبر العالم سواء ضد روسيا، أو إيران أو كوبا أو كوريا الشمالية هي في حاجة إلى الدعم من الحلفاء لنجاحها. هل ستقود سياسة ترامب إلى عزل واشنطن عن بقية العالم أم أن سياسة ترامب هي هروب الى الامام وتصعيد مع الجميع حتى ضد الأصدقاء من اجل التغطية على مشاكله القضائية بالداخل والتي قد تكلفه منصبه أو عدم الترشح الى ولاية ثانية؟
رئيس منظمة التجارة العالمية وربيرتو ازيفيتو دعي إلى وقف "التصعيد" في الوقت التي يتبادل فيه الأوربيون والأمريكيون الوعود بفرض رسوم جمركية عقابية. وأضاف أن سياسة "العين بالعين" سوف تكون غير مفيدة وستجر قطاعات جديدة إلى هذه الأزمة، مما سيلحق ضررا بالجميع.
العالم بسبب هذه المواقف المرتبكة والمتناقضة للإدارة الأمريكية أصبح على الانتظار بعد أن بدأ الاقتصاد العالمي يتعافى ويسترجع ثقة المستثمرين، اختار الرئيس الأمريكي زعزعة كل هذه المكاسب والدفع بالعالم نحو المجهول باسم شعار "امركيا أولا " وهو المنطق الذي استعمله الرئيس الأمريكي للخروج من الاتفاق النووي مع ايران الذي بدل فيه المنتظم الدولي مجهودا لإخراجه الى الوجود سنة 2015 لتعلن واشنطن الخروج منه وتطبيق العقوبات الاقتصادية على ايران وكل المقاولات او الافراد الذين يتعاملون معها.
المستشارة الألمانية انجيلا ماركيل، عبرت عن قلقها من هذه الوضعية الجديدة جراء التصعيد مع واشنطن، "لان الخلاف مع ترامب وتصاعد نفوذ الصين والطموحات الروسية تظهر مرة أخرى انه على اوربا تطوير قدراتها على التحرك على الساحة الدولية وبناء إستراتيجية مشتركة لكن دون ذلك، أي دون سياسة أوربية، سوف تتعرض أوربا لسحق. من طرف أقطاب أقوياء جدا." تقول المستشارة الألمانية وهي تعبر عن الوحدة والعزلة واليتم الذي تعيشه أوربا بسبب هذه السياسة الأمريكية التي تعزل حلفاءها في ظل تصاعد قوى جديدة مثل الصين وروسيا التي طردت من المجموعة بسبب الحرب في أوكرانيا. والتي كانت في نفس الوقت في قمة شنغاي لتعاون مع الصين وإيران.
أوربا اليوم هي في حاجة إلى الوحدة من اجل مواجهة العجرفة الأمريكية، وكذلك لنهج سياسة خاصة بها اتجاه باقي القوى العالمية الأخرى، لكن هذه الرغبة التي عبرت عنها المستشارة الألمانية انجيلا مركيل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تصطدم بانقسام أوربي وارتفاع قوة الأحزاب اليمينية المتطرف والشعبوي الذي يريد تفتيت مؤسسات الاتحاد الأوربي والعودة إلى القوميات المحلية، أي أوربا ما قبل الحرب. الكبرى، هذه الوضعية تجعل أوربا عاجزة عن اتخاذ أي موقف فعال تجاه السياسة الأمريكية وهذا التصعيد الأمريكي على مستوى التبادل التجاري، وكذلك تجاه باقي القوى الأخرى سواء روسيا أو الصين اللتان تلعبان على التناقض بين مصالح بلدان الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية.