لقد وفق الكثير من السياسيين عبر مر التاريخ في قضية السياسة وإدارة شؤون الدولة الخارجية والداخلية، ومن أبرز الأسماء نجد الملك كيفالوس الذي حكم أتينا لمدة طويلة. وقد مثلت السياسية للملوك والسياسيين سبيلا للخروج من المأزق والأزمات. فأن تكون سياسيا موهوبا فهذا يعني أن تكون قادرا على خدمة الوطن والمواطنين بكل الوسائل. إذن فما هي مميزات السياسي البارع؟
1)من صفات السياسي المحنك القدرة على الخطابة والتأثير في الناس، فعلى مر التاريخ كان السياسي الناجح والمتألق هو الرجل القادر على أن يتكلم في جموع الناس بكلام مؤثر وبليغ، يبعث فيهم الحماسة ويدغدغ مشاعرهم ويثيرها للإهتمام بقضية معينة. فجموع الناس مهما كانت مشاعرها تحتاج إلى من يستطيع بحنكته وكلامه أن يخرج تلك المشاعر للتترجم أفعالا على أرض الواقع، وكما جاء في احد الأحاديث (إن في البيان لسحرا)، وهذا يعني أن بعض الناس في ذواتهم موهبة سحر الناس بكلامهم المؤثر بحيث يلتفون طواعية حول صاحب الفكرة والرسالة.
2)القدرة على المفاوضات: فالسياسي المحنك ينبغي أن يكون مفاوضا ناجحا قادرا على إدارة دفة الحوار مع خصمه حتى يحقق الهدف من المحاورة، كما أنه مفاوض ناجح يستطيع من خلال مفاوضاته انتزاع الحقوق بأقل الخسائر أو التنازلات.
3)السياسي الماهر يتعلم بإستمرار من دروس التاريخ ,وينظر في أحداث التاريخ نظرة ثاقبة متبصرة لاستنباط الأساليب الصحيحة في الحكم والسياسية الراشدة. فالتاريخ يعيد نفسه كما يقال، والسياسي الذكي من يكون قادرا على تجنب الأخطاء. التي وقع فيها السياسيون عبر التاريخ.
4)السياسي الحقيقي قادرا على اتخاذ القرارات التي يرى أنها الصواب في الوقت المناسب والزمن المناسب وبدون تردد، ومن خلال الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات وتغليب المصلحة العامة.
وكل هذه المميزات نجد صداها في لب الفلسفة السفسطائية التي كان روادها من قبيل جورجياس وبروتاغوراس. هؤلاء كانوا دائما يراهنون على الخطابة والبلاغة من أجل محاولة الإقناع، وقد عملوا على تلقين ذلك لجل السياسيين والملوك، لأن أثينا آنذاك كانت قد خرجت منهزمة من أحد الحروب، وهذه الأخيرة أترث على نفسية الأثنيين.
لهذا دخل السفسطائيون، وهم يراهنون على إخراج الإنسان الأثيني من ذلك الوضع المزري عن طريق السفسطة التي كانت حكمة في حد ذاتها، لأن الفرق بين الفيلسوف والسفسطائي, هو فرق وظيفي لا غير، فقط الفيلسوف يحب الحكمة والسفسطائي يدعي أنه يمتلك الحكمة. إذن فالمسألة في كلا الحالتين تقتضي منا أن نكون حكماء في اختياراتنا وأهدافنا.
والخطاب الفلسفي كانت بمثابة مواجهة للخطاب السفسطائي، لأن السفسطائي في خطابه كان دائما يعتمد على أسلوب السلطة اللغوية التي كانت من أقوى أساليبه. أما الخطاب الفلسفي فهو خطاب يعتمد على حوار أكثر عقلنة وإنضباطا، لكون الفيلسوف رجل يحاول طرح فكرته للمخاطب، ولكن لا ينتظر منه قبلا لفكرته ,فالتفكير هو الأساس في الفلسفة. لهذا نجد ''رجل الدين يقول لك آمن ولا تفكر، ورجل السياسة يقول لك نفد ولا تفكر، أما الفيلسوف فيقول لك فكر ثم افعل إن شئت''.(كانط ماهي الأنوار).
ومن هنا نجد أن السياسة في صميم ممارستها تقتضي منا ذكاءا وهدوءا مهمين لا يمكن للشخص العادي إمتلاكهما. وبالتالي فالرجل السياسي لاينطبق على الشخص الجاهل الذي يمارس سياسته بشكل تلقائي.