الحسن زهور :لنتعلم من الدرس السعودي دون المزيد من التشنج

الحسن زهور :لنتعلم من الدرس السعودي دون المزيد من التشنج الحسن زهور
ما قامت به السعودية بتصويتها لصالح الملف الامريكي شيء واقعي و مقبول من الجانب السياسي الذي يراعي مصلحتها السياسية و الإقتصادية، لأن كل دولة تراعي مصالحها في اي موقف تتبناه، فما فعلته السعودية يدخل ضمن هذا الاطار الوطني للدولة السعودية، لذلك يبقى احتجاج المغاربة على موقفها المنسجم مع مصلحتها  غير مقبول انطلاقا من مقياس المصالح الحيوية التي تبني عليها الدول مواقفها السياسية او الإقتصادية، فالمواقف لا تبنى على العواطف بقدر ما تبنى على المصالح.
لكن لماذا هذا التشنج المغالى فيه و الذي طبع رد فعل المغاربة على الموقف السعودي؟ و لماذا نحن المغاربة نغلب دوما العواطف "العرقية " و الدينية على مصالحنا الوطنية؟
لا يمكن فهم هذا الغضب المغربي من الموقف السعودي الا بالرجوع الى الأسس التي بنيت عليه الهوية و الوطنية المغربيتين منذ الإستقلال، فما نحصده اليوم من اخفاقات هي نتيجة لما زرعته الحركة الوطنية بجناحيها القومي و الإسلامي منذ استقلال المغرب، حيث سعت بكل الوسائل الرسمية و غير الرسمية الى ترسيخ اسس الهوية و الوطنية المغربيتين على ايديولوجية شرقية ترتكز على بعدين: بعد قومي عربي، و بعد ديني اسلامي متجاهلة اهم بعد لهذا الوطن و هو البعد الأمازيغي المتميز ثقافيا و فكريا عن الشرق الى جانب تجاهلها للبعد الإفريقي و اليهودي..
فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة هي ان قضايا الشرق اضحت من أهم القضايا التي يحملها المغربي ان لم نقل يتنفس بها ليعيش اوهامه القومية او الدينية فاصبح شعار " القضية الفلسطينية هي القضية الوطنية الأولى للمغاربة " هو المهيمن على الساحة قبل ان تغيره الحركة الثقافية الأمازيغية الى شعار "قضيتنا الوطنية الأولى هي وحدة اراضينا". فبدلا من الاعتزاز بالوطنية تم تطبيع المغاربة مع الشرق و ارضاعهم من اثداء القومية العربية الناصرية و البعثية الى حد يفضل فيه المغاربة القضايا القومية على قضاياهم الوطنية، فما المليونيات التي تقام من اجل فلسطين و العراق سابقا إلا مثالا لما زرعه الأوائل في حين لا نجد هوى وطنيا لتنظيم مسيرة واحدة من اجل قضيتهم الوطنية( المسيرة الوحيدة كانت من تنظيم الدولة المغربية و ليس من الأحزابو الجمعيات المنبهرة بالشرق).
و لم يسلم التدين المغربي الذي يميزنا كمغاربة من الإختراق حين حرفته الجماعات الإسلامية المغربية و ربطته بالتدين الشرقي الذي جعلت منه نموذجها الأمثل نتجت عنه ظواهر شاذة غريبة عن مجتمعنا المغربي كالتطرف و التشدد و فرض نمط من التدين البدوي الوهابي بالعنف، و هو ما تشهده شوارعنا اليوم.
ما نعيشه اليوم هو حصاد ما تم زرعه من اوهام ايديولوجية جعلت المغربي هجينا و مستعدا للتضحية بقضايا بلده و وطنه من اجل قضايا غيره ، بل و تقديم صورة سيئة عن ابناء وطنه مثل ما قام به البرلماني عن العدالة و التنمية السيد المقرئ ابي زيد في الكويت حين اضحك اسياده الكويتيين بنكتته السمجة عن بخل التجار الأمازيغ. فالخيبة التي أصيب بها المغاربة اليوم من الموقف السعودي و من الموقف القطري سابقا ما هو إلا نتيجة لهذه الأوهام الإيديولوجية التي شب عليها اجيال ما بعد الإستقلال.
فهل يمكن ان تحدث هذه الرجة السعودية رجة ما في ما تبقى من اوهام العقلية المغربية المستلبة ؟ و هل يكفي ما قامت به الحركة الثقافية الأمازيغية من ارجاع المغربي ليمشي على قدميه الإثنتين بدلا من المشي على القدم الواحدة التي اوهمته به ايديولوجية الحركة الوطنية ؟ فمهمة انبعاث الإستثناء المغربي من تاريخه و ترسيخه هي مهمة جميع القوى الوطنية التي تضع المصلحة الوطنية فوق اي اعتبار، و العمل من اجل هذا الوطن المتعدد و المتنوع و الموحد بهويته و حضارته.
فشكرا للدولة السعودية بموقفها الذي احدث رجة في عقليتنا المغربية المستلبة لنعود الى هويتنا الوطنية التي تميزنا و الى الإهتمام بمصالحنا العليا.
                                                                                     الحسن زهور،كاتب وباحث