رحال بوبريك: من المهدي المنقذ إلى الكنز المنتظر

رحال بوبريك: من المهدي المنقذ إلى الكنز المنتظر رحال بوبريك

طبع تاريخ المغرب ظاهرة مدعي المهدوية. أشخاص يأتون من المغرب العميق حاملين  لدعوى، غالبا بلبوس ديني ومحتوى سياسي، مدعين أنهم تواصلوا مع عالم لا مرئي بشرهم بجنة موعودة أو انذرهم من قرب الساعة. المهدي المنتظر المنقذ الذي سيظهر في آخر الزمن والذي تحفل به الميثولوجيا الشيعية بقي في المغرب السني متخلصا من بعده التشيعي، ولكن بخطابه التبشيري الذي يعد بخلاص ديني أو دنيوي. 

أناس أنهكتهم ضرائب السلطان واستبداد القواد واستعباد الباشاوات أو كوارث المجاعات والأوبئة في مغرب ما قبل الحماية، يخرج بين الفنية والأخرى من بينهم مهدي كي يستنهض الهمم في سبيل الثورة على وضع ديني أو دنيويى قائم. كان منهم الداجلون والطامحون للسلطة ومشايخ التصوف، بل وعلماء... كل واحد تبنى خطابا ومرجعية وبشر بدعوة ما..

بعيدا عن مغرب ما قبل الحماية، وفي قلب مغرب الألفية الثالثة، مازال بين الفينة والأخرى يظهر أشخاص يدعون المهدوية. أناس بين الهذيان وتضخم الأنا وانفصام الشخصية، يجدون من ينصت لشطحاتهم في ذات المغرب العميق المنسي الذي كان دوما قبلة الباحثين عن أتباع ومريدين وأشخاص في حالة تأهب دائم لخوض مغامرة حلم تغيير واقعهم المر.

بالأمس صعد شاب إلى جبل، بعد أن أطلق قبل ذلك العنان لجنته الموعودة بكنز اعتقد فيه آلاف المنسيين من قاطرة التنمية وتبعوه، ليس طمعا في ثورة مهدوية أو تغيير وضع قائم، بل رغبة في الحصول على حظهم من الكنز المدفون المبشر به. لم يعتقدوا في دعوة دينية أو طريقة صوفية أو خلاص روحي أو وعد بجنة في عالم آخر بعد الموت، بل يريدون ما يعيلون به عيالهم الآن. يبحثون عن خلاص دنيوي وليس جنة موعودة بعد الموت. كاد الفقر أن يكون كفرا وانضاف إليه الجهل أو التجاهل من آلاف الذين لم يعد لهم ما يفقدونه، وربما اعتقدوا في الكنز، حسب رهان الفيلسوف باسكال حول وجود الله. فإذا كان الكنز موجودا، فذلك ربح لامحدود، وإذا لم يكن موجود، فليس لديهم ما يخسرون.

ما حدث بالأمس على سفح جبل قرب بولمان مرآة لمغرب آخر نرفض أن نراه وجها لوجه، لأنه كالشمس الحارقة التي نهرب من مواجهتها مباشرة بأعين مفتوحة. ذلك هو جزء من المغرب البعيد عن الحواضر ومراكز القرار وصالونات المثقفين والساسة الذين ينظرون للديمقراطية والانتخابات النزيهة.. ما رأيناه يشرح كيف يصل أميون وأصحاب الأموال لقبة البرلمان وعلى من يصوت المواطن المنسي في الجبال والقرى.

هل من نزح في قيض شهر يونيو وهو صائم يجلس القرفصاء ينتظر لساعات، وعلى سفح جبل، وبصبر، معجزة خروج كنز من كومة من الأحجار، سيصوت غدا حسب برنامج ووعي سياسي بمصالحه. أكيد سيمنح صوته لمن سيدفع له ما يسد به حاجياته اليومية أو من يعده بوهم كنز آخر أو جنة موعودة في الآخرة.

ما وقع أول أمس على سفح جبل قرب بولمان، واقع مر يسائلنا حول مجتمعنا وأين نعيش، ليس لإدانته أو التهكم عليه في أحاديثنا في المقاهي.  بل لمحاولة فهمه عن قرب و بجدية لنستخلص الدروس.

لا أنكر أنه بعد لحظة الصدمة الأولى والاستغراب انتابني شعور من التضامن الداخلي مع أولئك الشيب والشباب الجالسين في انتظار المعجزة، إنهم ضحايا تنمية معطلة ومدراس منعدمة وصحة معطوبة طرق مهترئة (إن وجدت أصلا) وبطالة مزمنة وفقر مدقع.. ضحايا لغياب الحكومة ولوعود الساسة وبرامج تنمية على الورق وقهر الطبيعة و... و...