جعفر: ما نعاينه من أحداث خرافية مزعجة لا يُستبعد معه تناسل المزيد مما ينفر من معتقداتنا

جعفر: ما نعاينه من أحداث خرافية مزعجة لا يُستبعد معه تناسل المزيد مما ينفر من معتقداتنا الأستاذ سعيد جعفر

جاء في إحدى الدراسات الحديثة للأستاذ حسين أسكاري من جامعة "جورج واشنطن" الأمريكية، تحت عنوان "كيف تكون الدول الإسلامية إسلامية". أن أغلب البلدان التي تطبق تعاليم الإسلام الحقة في حياتها اليومية هي من غير المسلمة أصلا. وذلك في إشارة إلى أن المجتمعات المعروفة باعتناقها الإسلام بالوراثة تهيم أكثرها في كل ما ليس له صلة به. وهنا يبرز شيوع تجني ربط الإسلام بكل ما هو منفر من خرافات ووعيد وسوء المصير، وعكس ما يحث عليه هذا الدين من ترغيب، يمارس في حقه الترهيب وكأن لا نعيم ضمن جزاءاته الأخروية. فقط هناك خنق سكرات الموت قبل الاستسلام لطعنات "الثعبان الأقرع" بالقبر، في انتظار أن تبذل الجلود بالجلود حتى يذاق عسر العذاب. في هذا السياق، التقت جريدة "أنفاس بريس" بمجموعة أساتذة باحثين لتنوير هذا الشق المتضارب. وفيما يلي تعليق الفاعل السياسي سعيد جعفر:

"الخطاب الديني في المعتاد يقتات من اللاواقع، لأنه من الصعب أن يتواجد في مجال العلوم الحقة والإنسانية والتجريبية، لأن المدركات العقلية للخطاب الديني لا تساعده في الانخراط في الإنتاج والفعالية البشرية بشكل عام. لأن هناك صعوبة منهجية وعقلية. إذا كيف سيتصرف ؟

لا يمكن أن يتصرف إلا من خلال هذا العجز، لهذا فهو ينخرط بشكل عضوي وعفوي في كل ما هو لا يمت للعلم وللحياة بصلة، من هنا إقدام الخطاب الديني على الماورائيات وما بعد الطبيعة وكل ما هو ميتافيزيقي، وهذا طبيعي جدا ارتباطا بتكوين "المروج للخطاب الديني"، التكوين النفسي والثقافي وتكوينه العقلي والبيولوجي والعضوي  كذلك. وهذا مستوى مباشر في المعطى.

المستوى الثاني هو أن الخطاب الديني لما يجد نفسه في حالة انتكاس، وفي حالة لا قدرة على العطاء وحالة من الضعف والعجز إلى غير ذلك، لا يبقى أمامه سوى استقطاب وتحويل وإخضاع الآخرين إلى هذا المنطق، لأنه المنطق الوحيد الذي يمكنه من ضمان استمراريته. وحضوره الرمزي والعضوي أو بأي شكل من الأشكال.

لهذا حتى الفاعل السياسي من حملة ومستعملي الخطاب الديني لما يكون في وضعية معينة ونحن عشنا تجربة مع رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران. رجل حاول الانخراط في المجال العلمي، وأن يظهر بأنه يشتغل من داخل حقل العلوم، وأنه يمنح مفاهيمه اليومية ومنهجيته من داخل الحقل العلمي الذي يربط بين النظرية والعمل بشكل فعلي. لكن الرجل رغم هذه المحاولة لم ينجح وبقي دائما وفيا لخلفيته الغيبية والماورائية. لهذا وجدناه يناقش ويفسر ظواهر اجتماعية وإنسانية ومجتمعية مباشرة مثل ظاهرة البطالة والعزوف عن الزواج أو ظاهرة الفقر أو أرقام اقتصادية مباشرة... يفسرها بتفسير فوق طبيعي.

المستوى الثالث أن الدين قضية مشتركة، والهدف المشترك هو آلية من آليات الإقتيات وتكوين الرأس مال اللامادي والرمزي، هذا المشترك سيساعد على أن نحوله إلى مادة تجارية، (وهناك تجارب غربية في هذا الباب التي حولت الدين إلى أهداف اقتصادية بحتة) وهو ما يقع في جميع أشكال المعتقدات والأشكال الدينية، ولكن في الحالة المغربية هناك خصوصية خاصة، لا تقتصر على فعل خاص بالفاعل السياسي أو خاص برجل يشتغل من داخل الدعوة، بل أنه يشكل الهم اليومي لعدد كبير من الطبقات بحيث أن الزوايا اشتغلت بالديني لتحويله إلى السياسي والاقتصادي في نفس الوقت. (الخطابة / جمع الإتاوات والخراج/ لعبت دور الشفاعة / الأمن / استغلالها سياسيا...). وأن الفاعل السياسي أصبح يشتغل من داخل مؤسسة الحزب السياسي رغم أن القانون واضح في هذا الباب يمنع قيام الأحزاب على أساس ديني.

اليوم برز معطى في تقديري كباحث أنه أصبح أكثر كلفة على استمرارية مفهوم الدولة كمفهوم حديث. نجح الفاعل السياسي في أنه جعل من قضية الإقتيات باسم الدين وجعله مادة تجارية ومادة إعلامية، يبدو أنه أكثر كلفة، اليوم أصبح الناس مجانين في وضعية نفسية مختلة ويتحولون إلى فاعلين دين، وهذا يحيلني شخصيا إلى ما حدث في مكناس وفي بولمان، ويعيدني إلى مرحلة صعبة جدا خلال القرن 16 ما يسمى بعصر الصلاح حاليا، بحيث أصبح المجانين يفعلون في السياسة وفي الرأي العام، وأصبح الدراويش هم من يفعلون في الرأي العام، في الوقت الذي من المفروض في الفاعل في الرأي العام أن يكون منتخبا من داخل مؤسسة الحكم ومؤسسة الحكومة.

في الحقيقة أن يقدم شخص على جمع آلاف من المواطنين في جبل بدعوى وجود كنز ويثبت بعد ذلك أن الأمر يتعلق برجل يعاني من مشاكل نفسية وعقلية، فهو مؤشر غير صحي نهائيا في دولة تصبو لأن تكون دولة انفتاح وحداثة وعقلانية. لأن هذا واحد من ثوابت الاختيار الديمقراطي، ويأتي في مرحلة أخرى صعبة تتمثل في كون المغرب مرشح لاحتضان كأس العالم، الحدث الكوني الذي يمثل الإنسانية والتعايش ويمثل الحضارة ويمثل العقلانية والتضامن وقبول الآخر. يأتي أيضا في مرحلة أن الرهانات الجيوسياسية المتعلقة بقضية الصحراء التي هي قضية قانونية وسياسية في نفس الوقت كبيرة جدا. يأتي ونحن بعد يومين سندخل لمعترك منافسات كأس العالم بروسيا.

لكن تزامنا مع هذه الأحداث التي تفرض فيك أن تكون فعلا عنصرا كونيا، تأتي أحداث مزعجة جدا ويروج بأن الناس شاهدت الملائكة تحلق وتطوف في السماء، وفي مكان آخر يتحدث الناس عن ظهور المهدي المنتظر، وآخر يحشد الناس وهو فاقد للأهلية.

في تقديري الشخصي أن الخطاطة أو العقيدة القائمة ما بين التقليدانية والحداثة أخذت هذه المرة أشكالا غير صحيحة تماما وأظن بأن الدولة تتحمل مسؤوليتها الكبيرة جدا في إعادة الثوابت إلى مكانها، وإلا في تقديري الشخصي، أن ما سيأتي مستقبلا حسب رأيي هو ادعاء النبوات وتكلفت ذلك على التراث اللامادي صعب جدا.

إن صعوبة مثل هذه الظواهر تكمن في أنها تقدم كل يوم مما يمكن أن نسميه بالاستثناء المغربي والجهد المغربي والخصوصية المغربية، من أجل التوفيق بين الكوني والمحلي."