عبد الغني السلماني: من أجل الحقيقة والعدالة أيضا

عبد الغني السلماني: من أجل الحقيقة والعدالة أيضا عبد الغني السلماني

بداية، ودرء لكل سوء فهم بسيط أو مركب، لابد أن نحلل وأن نناقش الموضوع بالهدوء اللازم، لا أريد أن أصدر إدانة أو أستبق حكما أو أدين بريئا أو متهما، كل ما أود أن أساهم به، في حدود ما ظهر لحد الآن، هو محاولة الانتصار للمبادئ العامة ولقواعد الأخلاق التي يجب أن تحكم سلوك ومواقف الإنسان بغض النظر عن دينه ومهنته وجنسه وولائه الحزبي واختياراته السياسية.

فالصحفي ليس كائنا استثنائيا له من الحقوق والتقديس ما ليس لغيره. والأخريات، إن كن فعلا ضحايا، لسنَ ركاما على قارعة الطريق ولسن نسيا منسيا. وعائلات المتهم والضحايا المفترضات أيضا يجب مراعاة مشاعرهم وأسرارهم وحقوقهم . طبعا، يبدو هذا أمرا بديهيا ومعمولا به، لكن سوف نرى أن كثيرين قفزوا على البديهيات انتصارا للولاءات والمصالح. والمواقع والتسييس الغير المبرر، من أجل خلط الأوراق وتهريب الحقيقة وربما العدالة أيضا . وهذا ما جعل لجنة اطلق عليها " لجنة الحقيقة والعدالة " مكونة من حقوقيين مشهود لهم بالنضال خديجة الرياضي ، عبدالرحمان بنعمرو ، ومثقفين عبد الله حمودي، المعطي منجيب، وآخرون شخصيات تدخل على الخط من أجل تقديم شهادات حول الصحفي بوعشرين والتشكيك في طريقة اعتقاله وما صاحب ذلك من خروقات المتدخلون بينوا "الخروقات" التي تشوب اعتقال صاحب "أخبار اليوم"، الذي يقبع منذ أربعة أشهر في سجن عين برجة بالبيضاء.

لكن ما أثارني هو موقف المؤرخ المعطي منجيب الذي يحسم موقفه بأن بوعشرين بريء وأن الملف تلفيق من أجل إسكات قلم يعاند السلطة ولا يريد الانضباط والدخول إلى الصف . كان في اعتقادي البسيط ما دام الرأي العام يريد الحقيقة أن يكون دور اللجنة هو البحث عن الحقيقة ، والاتصال مع كل الأطراف بما فيها هيئة الدفاع عن المطالبين بالحق المدني والمشتكيات والمصرحات مع الاضطلاع على المحاضر وكل ما يتعلق بالملف وبعد ذلك يمكن أن تحدد الجهة وطريقة الدعم والمساندة ، حتى يكون الرأي العام متفاعل مع عمل اللجنة .

وعليه لابد من وضع الملاحظات التالية:

 تأسيس لجنة "الحقيقة والعدالة" المساندة و الداعمة للمتهم توفيق بوعشرين، يجعل الملف سيدخل منعطفا جديدا من أجل التأثير على ملف معروض أمام القضاء والذي لم يصدر بشأنه أي حكم. هذا يتطلب استقلالية الجهاز القضائي والعمل على تحقيق المحاكمة العادلة، المتتبع لهذا الملف يدرك مدى التجاذب الحاد في الساحة السياسة بين مكونات المجتمع وأطراف الدعوى العمومية ودفاعهم، ويظهر ذلك جليا في التصريحات المتضاربة سواء للأطراف أو الشهود، ولهيئة الدفاع.

 إن مناقشة قضية بوعشرين خارج المحكمة ودون إحاطة بكل تفاصيل الملف قد يكون بمثابة تهريب للملف وهذا ما يريده دفاع بوعشرين منذ اللحظة الأولى، مما يعد مسا باستقلالية القضاء، وانتهاك لشروط المحاكمة العادلة، في الوقت الذي ينبغي فيه الاحتكام إلى القضاء بكل درجاته، وتقديم كل الحجج والقرائن، سواء من جهة الإثبات أو النفي.

نحن إذن أمام موقفين متضادين متباينين .موقف لجنة الحقيقة في تناغم مع هيئة دفاع الصحفي بوعشرين و موقف هيئة الدفاع لفائدة الضحايا، تتبع الملف يجمل كثرة التصريحات وصداميتها في المناصرة والدفاع عن طرف بعينه دون الأطراف الأخرى. وربما هذا مرده إلى التعاطف الذي عادة ما يكون تجاه الشخص المعروف والمشهور ومن له حضور في المشهد العام وهي حالة الصحفي توفيق بوعشرين المعروف بمواقفه والجهة التي كان يتناغم في أهدافها وعملها السياسي .

أما الضحايا أو الأطراف الأخرى، لم يكلف أحد للسؤال عنهن وتأسيس لجنة للدفاع عن صورتهن وكرامتهن ، حيث لم يكلف نفسه لا مثقف ولا محامي لتأسيس لجنة موازية بل تسقطت حرمتهن وهدرت كرامتهن ظلما وعدوانا.


الخطير هو تحويل القضية إلى ما سمته بعض الخرجات "قميص توفيق" الذي يقول الموالون ـ سبقا لكل إثبات أو حكم قضائي ـ أنه قُــدَّ من دُبُر وفي أماكن سرية والله أعلم مع سبق الإصرار والترصد. وهم بهذا يسعون لتسجيل مواقف سياسية، ولتمرير خطابات تهييجيه وتحريضية لا علاقة لها بجوهر القضية وهذا دور المحامي زيان بامتياز .

المطلوب إذن من اللجنة معالجة النازلة في حدود ما توضَّح لها من معطيات وأطراف وسياقات. دون حشر الاعتقال في باب تصفية الحسابات السياسية والاغتيال الرمزي لقلم الصحفي توفيق بوعشرين .