الباحث استاتي يقرأ سقطة الداودي: "الوزير يغلق فمه، وإذا شاء أن يفتحه، يقدم استقالته"

الباحث استاتي يقرأ سقطة الداودي: "الوزير يغلق فمه، وإذا شاء أن يفتحه، يقدم استقالته" لحسن الداودي (يمينا) والباحث زين الدين لحبيب استاتي

خلفت الخرجة والمشاركة المثيرة لوزير الشؤون العامة والحكامة، لحسن الداودي، في تظاهرة احتجاجية لعمال شركة سنطرال أمام مقر البرلمان، ضجة وردود فعل متباينة، وخاصة عندما طلب هذا الوزير إعفاءه، الذي قبلته منه على الفور الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية. وطرح الإعفاء، في حد ذاته، إشكالية في الجهة التي يجب أن تفصل فيه: هل الحزب أم رئيس الحكومة؟ بل ولماذا لا يقدم الداودي استقالته مباشرة، حسب الفصل 47 من الدستور؟ "أنفاس بريس" عرضت هذا الأمر الملتبس على  الدكتور زين الدين لحبيب استاتي، باحث بكلية الحقوق بمراكش، فوافاها بالقراءة التالية:

"صحيح.. ولعل ما يزيد من حدة الالتباسات ما ورد في بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية من تقديرات أرادت أن تجمع بين سرعة التفاعل مع حدث طارئ والحذر من وضع قائم، وهي محاولة قلما تكون موفقة في سياقات دقيقة وحساسة. لنبدأ بالتقدير الأول الذي تحدث عنه البلاغ بشأن تحمل السيد لحسن الداودي المسؤولية بطلب الإعفاء من مهمته الوزارية. ولعل هذا الأمر يضع الباحث في حيرة من أمره، حيث يتساءل عن علاقة الأمانة العامة للحزب بقرار الإعفاء الذي حسم فيه الفصل 47 من دستور 2011 الذي جاء فيه بأنه "للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم. ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة، ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم الفردية أو الجماعية".

لربما يُفهم من البلاغ أن الحزب يحاول حفظ ماء وجه السيد لحسن الداودي، ومن خلفه كرامة الحزب، ومن ثمة النظر إلى طلب إعفائه من جانب مستلزمات الأخلاق السياسية التي تقضي بتحمل الفاعل السياسي لمسؤوليته في حالة الإقدام على خطوة غير محسوبة العواقب.. بيد أنها، في الواقع، قراءة غير موفقة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الحَكَم في مثل هذه الحالات هو الدستور لا غير. وهذا يقودنا مباشرة إلى النقطة الثانية حيث يغيب الدرس البيداغوجي الأساس عن المسؤولية الحكومية، إذ لا يعقل أن يتظاهر وزير ويُلقّن، في لحظة سوء تقدير، للمحتجين بعض الشعارات التضامنية مع عمال شركة "سنطرال" التي تأثر رقم معاملاتها بشكل كبير بسبب المقاطعة. فالتظاهر مع أو ضد جهة معينة هو بمثابة "استقالة رمزية"، أصبحت بعد ساعات إقالة رسمية ونهائية تذكر المعني بالأمر بالعبارة المأثورة التي كان يجب أن يرددها في السر والعلانية.

وبالمناسبة أدعو القارئ الكريم إلى الرجوع إلى حيثياتها البسيطة ذات الأبعاد العميقة والدالة، والتي تعود إلى جان بيير شوفنمان: "الوزير يغلق فمه، وإذا شاء أن يفتحه، يقدم استقالته". بصيغة أخرى، من المسلمات في المسؤولية الوزارية أن يتقيد المسؤول الحكومي بما يفرضه المنصب من تجرد وحياد وتعقل ينسجم مع الاختصاص ورهان المصلحة العامة وتوجهات واختيارت الحكومة. هي تجربة، في جميع الحالات، تعيد إلى الأذهان ذلك السؤال التقليدي الذي يجب أن يسجل على باب كل مسؤول حكومي: ألا تستتبع مصلحة الوطن الترفع عن الميولات الشخصية والتوجهات الحزبية الضيقة؟

والأكيد أنه بقدر ما تبدو الإجابة واضحة في حال ربطها بما تقتضيه فصول الدستور وأعرافه، يصطدم المطمئن للنص بمتاهات واقع موسوم بالتوتر والتغير، ومفتوح على جميع الاحتمالات".