يوسف الشريف: إخوان قطر.. في العراق وليبيا

يوسف الشريف: إخوان قطر.. في العراق وليبيا يوسف الشريف

بعد مرور عام على أزمة قطر وإعلان الدول الأربع الداعية لمحاربة الإرهاب مقاطعتها لها، تراجع الدور السياسي القطري في المنطقة بشكل ملحوظ بسبب وضع المعاملات القطرية البنكية دوليا تحت المجهر، وانكشاف دور قطر في دعم الجماعات المتطرفة والإرهابية.

لكن الدوحة ما زالت على علاقة قوية مع تنظيم الإخوان الإرهابي، وما زالت تستخدمه لتحقيق مصالح سياسية معينة في المنطقة وبشكل يؤكد من جديد خدمتها للمصالح الإيرانية، وعرقلة الاستقرار في بعض الدول العربية التي لقطر مصلحة في بقائها غير مستقرة.

كانت قطر من أكثر الدول المتحمسة لإسقاط العقيد الليبي معمر القذافي، والسبب هو اكتشاف حقول غنية بالغاز قبالة السواحل الليبية، فتصدير ذلك الغاز إلى أوروبا كان من شأنه أن يضر بمصالح قطر كمصدّر كبير للغاز، لذا فإن بقاء ليبيا تحت وطأة الحرب الأهلية يعتبر مصلحة قطرية لتأخير تصدير ذلك الغاز، أو وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في ليبيا بشكل يسمح لقطر بالدخول كمستثمر في مشاريع الغاز الليبية مستقبلا.

وذراعا قطر في ليبيا لتحقيق مشاريعها الخبيثة هما جماعة الإخوان والجماعة الليبية المقاتلة، وبعد تجربتين فاشلتين للإخوان في انتخابات البرلمان الليبي أطلق هذان الذراعان عملية فجر ليبيا، ثم دعما كل من حارب الجيش الوطني الليبي، انطلاقا من قناعتهما بأن البقاء في المشهد السياسي الليبي لن يكون ممكنا لهما إلا من خلال العمل العسكري.

ويتجمع حلفاء قطر العسكريون اليوم في غرب ليبيا، خصوصا في مصراته وطرابلس، إضافة إلى بقايا مما يسمى بمجلس شورى المجاهدين في درنة الموالي لتنظيم القاعدة، الذي يشن عليه الجيش الليبي اليوم عملية عسكرية لطرده من المدينة.

من هنا يمكن فهم محاولات قطر عرقلة الحل السياسي، خصوصا المحاولات التي تقوم بها باريس مؤخرا، فاجتماع باريس -الذي حضره جميع الفرقاء الأساسيين في الأزمة الليبية، والذي أسس لخريطة طريق تنتهي بانتخابات رئاسية وبرلمانية في ديسمبر المقبل- عملت قطر على عرقلة تنفيذ هذا الاتفاق الدولي، فخرج 14 فصيلا عسكريا معظمه موالٍ لقطر وعلى رأسهم المجلس العسكري لمصراتة في بيان يعلنون فيه رفضهم مخرجات اجتماع باريس.

ومن المثير هنا أن الاتفاق الدولي في باريس أكد على لسان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن المجتمع الدولي سيعاقب كل من يسعى لعرقلة تنفيذ هذا الاتفاق، والسؤال الآن هو.. هل سيستطيع الرئيس ماكرون دفع المجتمع الدولي لمعاقبة قطر على مساعيها الواضحة لعرقلة هذا الاتفاق؟

بالطبع لقطر مصلحة أخرى في بقاء الانفلات الأمني والعسكري قائما في ليبيا، وهو استمرار تدفق السلاح والإرهابيين إلى مصر عبر الصحراء الليبية، من أجل تنفيذ عمليات إرهابية في مصر، وزعزعة حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي.

وفي العراق، يبدو الانزعاج الإيراني واضحا من نتائج الانتخابات التشريعية التي أعطت كتلة "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر فوزا مهما ومريحا بمشاركة رئيس الوزراء حيدر العبادي وكتلة النصر، وهنا يظهر أيضا دور الإخوان -ذراع قطر- في المشهد من أجل دعم المساعي الإيرانية في عرقلة تشكيل حكومة ائتلافية تستثني حلفاءها هادي العامري -قائد مليشيا الحشد الشعبي- ونوري المالكي.

فمنذ أن نشر الصدر تغريدته الشهيرة التي أعلن فيها مساعيه لتشكيل ائتلاف حكومي يستثني هادي العامري ونوري المالكي بدأت طهران بالتحرك، فأرسلت قاسم سليماني قائد فيلق القدس إلى بغداد من أجل الضغط على زعماء الشيعة لتشكيل ائتلاف حكومي يجمع جميع القيادات السياسية الشيعية، ومع فشل قاسمي في هذه المهمة بدأت طهران بتحريك حلفائها من أجل الضغط باتجاه إلغاء نتائج الانتخابات بدعوى التزوير.

هنا تجدر الإشارة إلى تحركات سليم الجبوري -رئيس البرلمان والقيادي في حركة الإخوان في العراق- الذي ضغط على إياد علاوي من أجل الانضمام إلى هذه الحملة بشكل قوي، فسليم الجبوري دخل الانتخابات من قائمة علاوي "الوطنية"، وهو من تولى الصرف على حملتها الانتخابية بأموال لن نتعجب أن نعرف أن مصدرها قطري، وعلى الرغم من أن لا صلاحية للبرلمان الحالي في إصدار قانون أو قرار بإلغاء الانتخابات التشريعية إلا أن سليم الجبوري استغل منصبه كرئيس للبرلمان من أجل تأجيج هذه الحملة سياسيا، بهدف الضغط على الصدر والعبادي من أجل تقديم تنازلات سياسية والقبول بما تفرضه طهران من سيناريو ائتلاف حكومي يضم العامري والمالكي مع إياد علاوي وقائمته.

وينشط هنا السفير الإيراني في العراق من أجل تكثيف الضغط الإيراني على الصدر والعبادي مستعينا بالحملة السياسية التي يشنها الجبوري وعدد من القيادات السنية القريبة من إيران وقطر.

تقوم قطر من خلال ذراعها الإخواني بخدمة مصالح إيران في العراق، وزعزعة الاستقرار في ليبيا وعرقلة أي حل سياسي يؤدي إلى استقرار ذلك البلد، فيما تغطي من خلال وسائل إعلامها على تحولها السياسي لدعم ما يسمى بمحور المقاومة المدعوم من إيران، الذي وصل إلى حد مد جسور التواصل مع الرئيس السوري بشار الأسد، كما كشف الصحفي البريطاني روبرت فيسك في صحيفة الأندبندنت.

هي مناورات سياسية قطرية تثبت أن الدوحة رغم تراجع دورها السياسي المباشر إقليميا، إلا أنها لن تتخلى بسهولة عن ذراعها الإخواني، لتحقيق ما بقي لها من تأثير تخريبي في المنطقة، كما تكشف أيضا أن تنظيم الإخوان عميل حقيقي للمصالح الإيرانية في المنطقة.

ملاحظة: دأبت قطر على دعم أي فصيل تناصبه واشنطن العداء خلال العقدين الماضيين، فعندما أعلنت واشنطن حربها على تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن، كان الدعم القطري لهذا التنظيم واضحا جليا رغم وجود قاعدة العديد الأمريكية في قطر، وبعد ظهور داعش وجبهة النصرة شنت أمريكا حملة دولية من خلال تحالف عسكري كبير ضد هذين التنظيمين في سوريا والعراق، فظهر الدعم الإعلامي والمالي جليا لهذين التنظيمين من قبل قطر.

واليوم تعلن واشنطن خطة كبيرة للتصدي لإيران في المنطقة، فيتحول الدعم القطري إلى التقارب مع أذرع إيران في المنطقة من حزب الله إلى بشار الأسد، فهل يلاحظ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذلك؟

(عن "العين الإخبارية" الإماراتية، باتفاق معها)