"الضحى" تطلق رصاصة الرحمة على التعليم.. و"الهاكا" تتفرج على "زبالات" الإشهار!!

"الضحى" تطلق رصاصة الرحمة على التعليم.. و"الهاكا" تتفرج على "زبالات" الإشهار!! صورة من الأرشيف

صعقت، و أنا أتابع برامج تلفزتنا الموقرة، ببث وصلة إشهارية تحث على اقتناء الشقق الاقتصادية، حيث تطالعنا معلمة تطلب من تلامذتها حل معضلة السكن التي تؤرقها، حيث تأمرهم بحل معادلة رياضية حول كيفية الحصول على شقة بأسهل الطرق، فيتقدم منها تلميذ ويقدم لها الحل المتمثل في اللجوء لمجموعة الضحى، المجموعة التي توفر شقق بأثمنة جد بخسة. فتهرع و تسرع المعلمة تاركة الفصل متوجهة لمكاتب المجموعة العقارية المشار إليها في الإشهار المصاغ بكثير من الحقد و قليل من الفهم.

هذه الوصلة التي تهين المعلمة و تقدمها بصورة الفقيرة البئيسة المتهافتة، أو المرأة التي لا يهمها الدرس و التدريس أو مصلحة التلاميذ، بقدر ما يهمها مصلحتها الخاصة. تؤكد بالملموس أن الحرب أضحت مفتوحة في جميع الإتجاهات و بكافة الوسائل على هيئة التدريس بهذا البلد المكلوم المسمى مغربا، حرب بدأت منذ نهاية سنوات السبعينات من القرن الماضي، حيث صاغت أم الوزارات آنذاك، رفقة طابورها الخامس من الكتبة و المرتزقة، عشرات النكت و المواقف الساخرة عن الأستاذ البخيل المتهاون، قبل أن تجهز على المقررات الدراسية فتفرغها من محتواها و تحولها إلى مقررات ناجحة في تفريخ أنصاف المتعلمين و الجهلة و أنصار الظلام، ثم بعد ذلك تسيج علاقة الأستاذ بالتلميذ من خلال عشرات المذكرات التي جعلت من التلميذ أسدا و الأستاذ فأرا و تشرعن العنف المتبادل و تدفع نحو التصعيد و تحويل الفضاءات المدرسية لحلبات الملاكمة و المواجهة المتواصلة، بعد أن كانت ساحة للمحبة و المعرفة. و لعل حادثة أستاذ خريبكة تقدم شهادة بليغة عما وصل إليه التعليم ببلدنا العزيز، تعليم يستهتر بالقيم الأخلاقية و بقيمة العلم و المعلمين و دورهم في تربية الأجيال و بناء الوطن.

قم للمعلم وفه التبجيلا.......كاد المعلم أن يكون رسولا

هكذا كتب يوما أمير الشعراء أحمد شوقي، لكن تلاميذتنا النجباء الأحرار في فعل ما يريدون، حسب التوجيهات والسياسات التربوية الحديثة، حولوا البيت الشعري الحكيم، و كما وجدت يوما مكتوبا على جدار الثانوية التي كنت أشتغل بها قبل سنوات، إلى بيت من السخرية الغارقة في الفجاجة و اللجاجة:

قم للمعلم و فه التفجيلا.....كاد المعلم أن يكون بسورا (البسورا باللغة الإسبانية هي الزبالة).

نعم لقد أصبح المعلم مجرد زبالة يمسح فيه الرجلين و اليدين كل قليل الحياء، و يقف ضده كل من يحاول تقديم نفسه مناضلا على الطريقة الطاوية الخاوية، أو مدافعا عن الطفولة المغتصبة التي من حقها الصراخ و الشغب، و سب الأستاذ دون وازع أخلاقي، و المطالبة في نفس الآن، بمعاقبة كل مدرس فقد أعصابه دون النظر لخلفيات و ظروف ما وقع، ودون البحث عن إمكانيات التخفيف، حتى ولو كان ما حدث قد حدث خلال حصة للدعم، بمعنى أن الأستاذ كان يشتغل خارج الساعات المفروضة عليه، أي أنه متطوع للرقي بمستوى التلميذ الذي قد يضربه بالطباشير أو يوجه له لكمة ترديه أرضا أو شتيمة تجرح كبرياءه و تترك ندوبا في نفسه مدى الحياة. في المقابل، التلميذ من حقه أن يلهو و يلعب و يشاغب خارج الفصل و داخله، متى شاء و أنى شاء و كيف ما شاء، و لا حق لأحد أن يخرجه من الفصل أو يوبخه و يوقفه عند الحد، فالإدارة غالبا ما تتهرب من تحمل المسؤوليات خوفا من نتائج لا تحمد عقباها، لتترك الأستاذ في وجه المدفع الذي لا يرحم. مدفع معبأ بنيران أعداء العلم و التدريس و كل المستفيدين من كمون و ركود الجسم التعليمي، و في بعض الأحيان تجد المدفع يطلق عواصف جهل بعض الزملاء و مواقفهم المتخاذلة، مواقف في كثير من الأحيان  تكون ترجمة لفشل في الحياة أو هروبا من المحاسبة أو تظاهرا بالحنو الزائف لإستدرار العطف و التقرب للإدارات الفاشلة.

الوصلة الإشهارية المتحدث عنها أعلاه دليل آخر على أن الجميع استقال في هذا البلد، و أن جهات غير معروفة توجه دفة الأحداث في الإتجاه الذي يخدم مصالحها و يحفظ وجودها و يضمن لها الحق في وضع اليد على كل شيء، نعم كل شيء، تاركة لنا الفضاءات الزرقاء للتنفيس عن كربنا و إخراج الحقد الدفين الساكن في صدورنا مع فسح المجال لكل من يحمل هموم الدنيا و عقدها العديدة أن يركب صهوة النضال و الهجوم الكاسح على آخر قلاع الإحترام والنضال و المعرفة. أما الهيئة العليا للسمعي البصري (الهاكا)، و القيام بدورها في مراقبة ما يعرض من زبالة على شاشاتنا، فهي في عطلة مفتوحة حتى مجئ الطوفان الذي سيجرفنا جميعا.