في الحاجة إلى «بسيج» جديد لملاحقة المسؤولين!

في الحاجة إلى «بسيج» جديد لملاحقة المسؤولين! عبد الرحيم أريري

ما الفرق بين الإرهابي الذي يفجر نفسه ويزهق أرواح الأبرياء ويلحق الخسائر بممتلكات الناس، وبين مسؤول يفخخ المدينة بتصميم تهيئة يولد الانفجارات العصبية لملايين المواطنين كل يوم، ويتسبب في خسارة عدة نقط في الناتج الداخلي الخام للبلاد؟

الفرق الوحيد في التشريع المغربي يكمن في أن الإرهابي الجهادي يحاكم ويعتقل، بينما المسؤول عن التعمير (بالجماعة الحضرية أو بالعمالة أو بالوزارة الوصية أو برئاسة الحكومة التي تصدر المراسيم) لا يحاسب ولا يحاكم ولا يتابع، رغم أن قراره بشأن الموافقة على وثيقة التعمير التي ترهن مستقبل المدينة قد يتضمن جرائم ضد جودة العيش، وضد مصالح المدينة.

حسبنا هنا التوقف عند واحدة من الأعطاب الكبرى التي تلازم مدننا، ألا وهي قضية الباركينغ (مواقف السيارات). إذ لما يرغب المهندسون والمتخصصون في التهيئة إدراج مرفق عمارة مخصصة كلها للباركينغ في تجزئة أو في مشروع تعميري وعمراني أو في مدينة جديدة يتم رفضه، مما يجعل تصميم التهيئة غير ملزم للمنعشين وللمستثمرين لإجبارهم على إنجاز عمارة مخصصة ككل للباركينغ. فالوثيقة المرجعية التي يحتكم إليها في التعمير هي تصميم التهيئة Plan d’aménagement وهذه الوثيقة هي التي تحدد المرافق العمومية الواجب إنجازها في هذا الحي أو ذاك (مدرسة، مسجد، ملعب، مركز صحي...إلخ). لكن إذا وضع المصممة «باركينغ عموديا» أو باطنيا، فإن الجماعة الترابية ترفض التصميم، لأن إدارتنا لا تؤمن بالعمارة إلا كوعاء للسكن أو لفندق أو لاحتضان مكاتب، أما أن تخصص عمارة لباركينغ مثلما هو شائع في الدول المتمدنة، فذاك مرفوض من طرف الإدارة المتكلسة بالمغرب. ولا يمكن للمرء أن ينجز هذا المشروع إلا إذا مر من صراط مسطرة الاستثناء  (Dérogation)

وهنا تتجلى الخطورة على مرفق التنقل والسير والجولان بالمدن المغربية، خاصة إذا استحضرنا أن عدد السيارات بالمغرب وصل إلى 3.800.000 سيارة مع متم عام 2017، وهو رقم مرشح للارتفاع أكثر عما قريب، بالنظر إلى نسبة نمو اقتناء السيارات من طرف المواطنين، والتي تزيد تقريبا بنسبة 6 في المائة كل عام. (ففي نهاية عام 2017 بلغ حجم مبيعات السيارات بالمغرب 168593 سيارة بعدما كان المغرب إلى حدود عام 2010 يبيع بالكاد في سنة واحدة 90 ألف سيارة!).

وإذا كان البعض يرى تلك الأرقام كمؤشر إيجابي على تحسن مستوى عيش سكان المغرب، فإن الوجه الآخر للعملة يبين أن جزءا كبيرا من المغاربة يضطرون إلى اقتناء سيارة لغياب سياسة عمومية ناجحة وفعالة في مجال النقل العمومي الجماهيري (طوبيسات جيدة، ميترو أنفاق، ترامواي) بشكل تدفع المرء اضطرارا إلى اقتناء السيارة.

فلو أخذنا المدن الست الكبرى (البيضاء، مراكش، الرباط، فاس، سلا، طنجة) كمثال، وقرأنا حجم ما يرصد من موارد عمومية لمرفق النقل الحضري لتغطية كل الأحياء وتشبيكها بمنظومة جيدة للنقل العمومي، سنصاب بدون شك بجلطة دماغية، علما أن هذه المدن الست تحتضن لوحدها 7.757.000 نسمة، أي ما يمثل 37 في المائة من مجموع سكان 252 مدينة بالمغرب! (وما يمثل من زاوية أخرى حوالي ربع سكان المغرب!). وحتى شركات التنمية المحلية التي خلقت لإنجاز الباركينغ ببعض المدن الكبرى عجزت عن إنجاز «بلاصة واحدة»، واكتفت بالسطو على شوارع كانت مصدر رزق لـ «عساسة» وحراس سيارات عشوائيين. وفي الدار البيضاء يتم إشهار نموذج باركينغ باطني تم إنجازه أمام الولاية وبساحة الراشدي المنجز حديثا (لم يفتح بعد في وجه العموم) وهذا حق يراد به الباطل، بالنظر إلى أن الباركينغ وجد أصلا لتغطية حاجيات جمهور المسرح الكبير ولم ينجز في سياق مخطط مديري للباركينغ بالدار البيضاء ككل بالموازاة مع المواقع السوداء بوسط المدينة أو قرب الإدارات والقيساريات ومحطات القطار والترامواي والمستشفيات والمحاكم... إلخ.

وإذا كان المغرب قد أفلح في تجفيف الإرهاب الجهادي وطور منظومته الأمنية منذ تفكيك خلية 2002 (وخاصة بعد أحداث ماي 2003)، وزاد من تجويدها بعد إحداث ذراع «البسيج»، لدرجة أن الخبرة المغربية في مكافحة الإرهاب أضحت مطلوبة دوليا، فالأمل هو أن تحصل الصحوة لإحداث «بسيج» جديد مهمته الوحيدة هي تفكيك الخلايا النائمة ومطاردة الخلايا الإرهابية القابعة بالجماعات المحلية وبشركات التنمية المحلية وبالإدارة الترابية وبالوزارات لملاحقة كل مسؤول فشل أو تعطل في البحث عن حلول لمشاكل المواطنين!!!