عبد الوهاب تدمري: مجرد رأي في مخاطر تفكك الدولة والمجتمع

عبد الوهاب تدمري: مجرد رأي في مخاطر تفكك الدولة والمجتمع عبد الوهاب تدمري

عندما أستحضر ما يشهده المجتمع المغربي من احتقان اجتماعي وسياسي واقتصادي وما يتخلله من صراعات:                       

1- عمودية علاقة بالدولة ومؤسساتها الوسطية التي تتسم بارتفاع منسوب الكراهية ازائها وانعدام الثقة في هياكلها وأجهزتها، التي أثبتت فشلها وعجزها سواء فيما تعلق منها  بتدبير شؤون ومصالح المواطنين والمواطنات اليومية، أو فيما تعلق منها بما تنتهجه من سياسات عمومية فاسدة تنهك من خلالها القدرة الشرائية للشعب المغربي وتلقي بشكل ممنهج لفئات واسعة  منه الى عالم الفقر والهشاشة .كل هذا في مقابل  تنامي منظومة الريع والفساد  التي تعمل الدولة المخزنية  على تشجيعها وتنميتها حتى أصبحت تتحكم في كل العملية الاقتصادية من خلال ما تنتهجه هذه اللوبيات الفاسدة من احتكار واسع لكل الأنشطة الاقتصادية  الأساسية والاستراتيجية مستفيدة في ذلك  من الدعم والغطاء السياسي الذي توفره لها الحكومات السياسية  المتعاقبة ، كما كان الشأن مؤخرا  وليس اخرا  مع حكومة العدالة والتنمية فيما يخص إلغاء  الدعم عن المحروقات ،وتحرير الأسعار، والغاء التشغيل في  القطاعات العمومية والشبه العمومية  الخ ... مع ما نتج عن هذه السياسات من ارتفاع مهول للبطالة،  و انهاك للقدرة الشرائية للشعب المغربي . في مقابل ضخ الملايير من الدولارات  في حسابات هذه اللوبيات الفاسدة  التي اعدمت مبدأ التنافسية  التي  تشكل احد اعمدة الاقتصادات  الحرة  .وبالتالي أصبحت عالة  حتى على الاقتصاد الليبرالي  نفسه ،وعلى  اقتصادنا الوطني  وما يكتنزه من ثروات طبيعية و التي  لا تعتبر بالنسبة لها  سوي مجالا  لضخ  ونهب المزيد من الثروة .

اننا فعلا أمام واقع  يؤشر على فشل كل الشعارات التنموية و التحديثية التي رفعتها دولة ما بعد الاستقلال . واقع لا يحتاج إلى مزيد من التبريرات خاصة أمام  ما نشهده من احتقان اجتماعي وحراك شعبي  سواء بالمظاهرات الاحتجاجية السلمية المنفلتة عن الدولة والأحزاب .أو ما يبدعه المجتمع من أشكال بديلة للاحتجاج من أجل تفادي القمع والاعتقالات ، وذلك   عبر وسائل  التواصل الاجتماعي، كمقاطعة بعض المنتجات والشركات  الاحتكارية ، أو ربما أشكال أخرى  ستتبلور عما قريب . وهي الأشكال التي كونها خارجة عن المالوف، ولا تخضع  للانساق النمطية المعروفة ،  أصبحت تبنى للمجهول حسب تعبير رئيس الحكومة . كما أثارت الكثير من التصريحات الحكومية الغير المسؤولة ، التي تراوحت بين التخوين وإطلاق الأوصاف القدحية في حق كل من يتبنى المقاطعة  و التي استهجنها المواطنون  والمواطنات ، وأصبحت محل سخرية من طرفهم .

أنه الواقع نفسه  الذي  قاربه خطاب رئيس الدولة في افتتاح الدورة التشريعية الاخيرة .عندما أقر بترهل وفساد الهياكل الإدارية  وفشل النموذج التنموي الذي انتهجته الدولة لمرحلة ما بعد الاستقلال عموما ولكل التعديلات التي  شملته منذ بداية الألفية الثالثة،  بالشكل الذي ينم عن فشل  الأوراش التي صاحبت هذه التعديلات، واعتبرت حينها   رافعة له خاصة ورش الجهوية الموسعة ،ورش تاهيل الحقل الحزبي والمشهد السياسي ، وورش الإنصاف والمصالحة، وورش تأهيل الحقل الديني، وورش تأهيل المنظومة التعليمية  الخ …

2- أفقية علاقة بما يشهده المجتمع من نزاعات داخلية تهدد وحدة النسيج الاجتماعي المغربي، نتيجة حالة الإحباط الشاملة  التي طالت معظم شرائحه ،خاصة أمام واقع اجتماعي وسياسي واقتصادي  ما فتئ يزداد تعقيدا وصعوبة .في مقابل غياب أي  مقترحات تروم إلى إيجاد حلول جذرية  لما يشهده المجتمع  والدولة  من أزمة مركبة ما انفكت ترفع من منسوب الكراهية إزاء بعضهم البعض ، خاصة مع  تمادي الدولة  في نهجها الأمني الذي لا يمكن أن يشكل حلا دائما لما يشهده المجتمع من أزمات  تقتضي مراجعة نقدية شاملة لمجمل التصورات الفكرية والسياسية  والترابية التي تأسست عليها دولة ما بعد الاستقلال ، وطرح خارطة طريق  للحل الشامل تقطع مع مفهوم التوافقات التي  كانت سببا فيما نعيشه من أزمات والعمل بدل ذلك على بناء تعاقدات اجتماعية جديدة تؤسس فعليا لقيام دولة الحق والقانون، للدولة الديموقراطية المتعددة حيث القرار يتخذ  صبغة افقية و  التي تربط المسؤولية بالمحاسبة .

 لكن مع الاسف ،وفي غياب الحلول الجذرية لواقع الأزمة التي يعيشها المجتمع المغربي، وحالة الإحباط التي يمر بها ، أصبحنا نلاحظ  تصاعد منسوب الحقد والكراهية  ليس فقط  في اتجاه عمودي،  بل أصبح ياخذ  كذلك صبغة افقية من خلال حالة الانكفاء  والانطواء على الذات  التي  أصبحت  تطال فئات واسعة من المجتمع المغربي،وذلك   في سياق البحث عن ملاذات آمنة،  لواقع  الهشاشة الذي تعيشه والمصير المجهول الذي أصبح يكتنف مستقبلها ، خاصة أمام غياب بدائل ديمقراطية و حداثية  تعيد له الثقة في الدولة ومؤسساتها. وتزرع الأمل في إمكانية   قيام  مغرب آخر ممكن، يتسع لجميع أبنائه وبناته  ، وذلك سواء بخلفيات عرقية  او انفصالية ضيقة، انسجاما  ومفهوم الهويات القاتلة التي تعمل على إلغاء الاخر و   تعادي كل من يختلف معها وتعمل على تخوينه . أو بمرجعيات دينية مشرقية اخوانية او سلفية  وجهادية تكفر كل من يحمل فكرا ديموقراطيا وتحديثيا للدولة والمجتمع، ولكل من لا ينصاع لأمراء الدين ولفتاوى الجهاد.

في كل الحالات، وبعد ما  أضحت عليه الدولة المخزنية من ازمة بنيوية عميقة ، نكون أمام وضع اجتماعي يتهدده التفكك ، كمقدمة لحالة الفوضى العارمة التي تفقد المجتمع مقومات مناعته ،و التي  توفر كل الشروط الموضوعية  للتدخلات الخارجية  خاصة أمام ما يخترق محيطنا الإقليمي من صراعات اجتماعية وسياسية بخلفيات  مذهبية وعرقية  ،وعبر أدوات محلية تغذيها مصالح الدول الاستعمارية السابقة في إطار عملية تقسيم جديدة، لمجالات  السيطرة والنفوذ ،اعمالا لمبدأ لا صديق دائم ولا عدو دائم فقط مصالح دائمة.

 بعد كل هذا يمكن ان اقول اننا فعلا وصلنا الى مرحلة لم يشهد لها تاريخ المغرب المعاصر مثيلا .مرحلة تهددنا ككيان عاش دوما مستقلا وموحدا رغم كل المراحل العصيبة التي مر بها إبان فترات ضعف السلطة المركزية، أو خلال   تاريخ تعاقب الدول في المغرب التي شكلت فيها وحدة  وتماسك المجتمع  بكل ما يعرفه من تعدد وتنوع ،وبغض النظر عن طبيعة العلاقة التي كانت تطبع هذا الأخير بالسلطة المركزية،  صمام امان لصيانة الوحدة الترابية وضمانة اساسية لاستمرارية الدولة حتى  في مراحل ضعفها، أو أبان تعاقب أنظمة وعائلات الحكم  فيها ،و التي أصبحت في وضعنا الحالي مستهدفة خاصة مع ما يتهدد المجتمع من تفكك لبنياته الاجتماعية والثقافية والروحية  كما هو حال  الكثير من الدول و المجتمعات التي أصبحت تعيش على إيقاع الفوضى الشاملة.

اننا فعلا أمام أوضاع خطيرة  قد لا يستشعرها بعض المتنفذين من داخل الدولة المخزنية أو حتى من داخل بعض النخب السياسية الفاسدة التي حجبت عنهم مصالحهم الضيقة رأية الحقيقة المرة لواقعنا المأزوم  وما يتهدد الدولة والمجتمع من فوضى شاملة قد تؤدي بنا جميعا الى النفق المظلم  حيث تصعب وتتعقد  أي عملية إعادة البناء وذلك لسبب بسيط كون تفكك  المجتمعات هي بالضرورة مقدمة لانهيار الدول وانظمة الحكم فيها  التي لا يمكن أن تقوم  في غياب  أحد عناصرها الاساسية .الا اننا لازلنا نأمل خيرا فيما تبقى من نخب فكرية وسياسية وثقافية ديموقراطية، غيورة على مصلحة الوطن سواء  من داخل الدولة أو المجتمع في استنهاض هذا الواقع وإنقاذ البلاد من المصير المظلم الذي نحن سائرون إليه أن تمادينا في إنكار ما نعيشه من ازمة مركبة وتمادت الدولة المخزنية في مقاربتها الأمنية في معالجة ما نحن عليه من أوضاع.