في الحاجة إلى الــيسـار الــطـاهـر

في الحاجة إلى الــيسـار الــطـاهـر

كل يوم تعرف المدن المغربية ما يفوق 130 مظاهرة احتجاجية، تعلق الأمر بالمطالبة بتوفير النقل أو الماء الشروب أو المستوصف أو الاحتجاج على تردي ظروف التعليم أو ضد قرار حكومي استهدف فئة اجتماعية وإدارية معينة. المثير في هذه السلوك الاحتجاجي أن معظم المسؤولين على التعبئة في صفوف الأحياء أو القطاعات المتضررة هم أناس ينتمون إلى العائلة اليسارية. وهنا مربط الفرس؛ إذ في الوقت الذي نجد اليساريين حاضرين بقوة في المجال المدني وفي مجال التعبئة الاحتجاجية نرى حضورهم  جد باهت على المستوى السياسي، علما أن السياسي هوالمسؤول على تصريف آمال المواطنين وتطلعاتهم في قرارات وسياسة عمومية.
فعلى امتداد الولايات التشريعية الماضية لم يكن يظهر في الرادار إلا سياسيوالأصولية الدينية أوالإدارية وهم (أي الاصوليون لوجهي العملة) سلالة من المسؤولين الذين لايضعون مصلحة البلاد والعباد في سلم الأولويات. فالأصوليون الدينيون يقولون لك: مهمتنا الأولى والوجودية هي أن نخرج المغاربة من الجاهلية ! ومن بعد" نشوفو آش خاص للبلاد". بمعنى أن سياستهم تقوم على استغلال مواقعهم الحكومية والجماعية للتسلل إلى كل درب وكل دواروكل إدارة لزرع الخلايا النشيطة منها والنائمة ل" الدعوة للدين كما يراه منظرو الحركة الأصولية بشقيها الإخواني والوهابية"، وليس الاحتكام للدستور الذي نص على وجوب تمتيع المغربي بالحق في الشغل والتعليم والصحة والحق في الحياة الكريمة. أو الاحتكام للبرنامج الحكومي الذي تعاقد المسؤولون مع الشعب على الوفاء به خلال الولاية الحكومية.
أما سياسيو الأصولية الإدارية فإنهم يقولون لك:" الوقت الآن ليس وقت نماء وإسعاد المغاربة، بل هو وقت "باك صاحبي" لنهب المغرب وتقطيعه بمنشار بين المافيات واللوبيات". وبالتالي فمصالح المغرب والمغاربة لا ينتظر أن تدرج في أجندة هؤلاء.
وفي كلتا الحالتين يتجدد شقاء المغاربة مع كل ولاية حكومية وتتجدد معها الاحتجاجات والتشكي من ضنك العيش(تعليم ردئ، عرض صحي بئيس، بطالة سرطانية، انكماش اقتصادي رهيب، جامعات منخورة وتسويد صورة المغرب خارجيا....).
اليوم ونحن نعيش زمنا انتخابيا يبقى الأمل في أن يدب الوعي لدى النخب اليسارية لتحفيز الناخبين على المشاركة ليس لممارسة حق من الحقوق الدستورية في إطار التدافع المدني بين الفرقاء السياسيين فقط، بل لأن المشاركة المكثفة تسمح للشعب بأن يتحمل كلفة اختياراته. أقصد الاختيارات المرتقب أن تتخذها حكومة ما أيا كانت هذه الاختيارات.لأن الأغلبية الكاسحة من الناخبين شاركت في الاقتراع وعبرت داخل المعزل عن قناعتها لفائدة هذا التيار السياسي أو ذاك ولو بالملغاة. وبالتالي تقل الاحتجاجات، وحتى إن تمت فستكون احتجاجات معقلنة مبنية على خرق التعاقد المبني على البرنامج الحكومي ومبنية على أحقية المواطن في المحاسبة لأنه شارك في العملية الانتخابية.
من هنا الأمل الذي غذته جرائم بنكيران في ولاية الحكومة الملتحية وما ارتكبته من مذابح اجتماعية واقتصادية وديبلوماسية في حق الشعب المغربي في أن ينهض شعب اليسار من سباته ليعود الى داره الأصلية، أي إلى المجال السياسي الصرف.
لست من الحالمين بموجة يسارية كاسحة بالبرلمان المقبل نتيجة تحالف الأصوليتين ضد التنوير وضد تحرر المغاربة، ولكن بالإصرار وبواقعية النخب اليسارية وتعبئة الناخبين المقتنعين بالفكر وبالقيم الكونية يمكن لليسار أن يضمن موطئ قدم بالبرلمان لفضح وتشويه الحاكمين إن هم أجرموا في حق المغرب والمغاربة، وليكون اليسار ضمير المغاربة.
لنتذكر أن من فضح تازمامارت كان نائبا يساريا واحدا وسط جيش من برلمانييي الشكارة والبزولة والأصولية. إنه الأستاذ بنسعيد أيت إيدر.