سعيد جعفر: الإنفجار الوشيك بالمغرب

سعيد جعفر: الإنفجار الوشيك بالمغرب سعيد جعفر
عشرة مليون عازب ما بين سن 18 و40 سنة
و ثمانية مليون شابة عازبة ما بين 18 و35 سنة
الأرقام أعلاه تكشف عن وضع غير مسبوق بالمغرب بالمرة؛ وعن إنذار أحمر لأزمات حقيقية في غضون 20 او 30 سنة القادمة.
للتاريخ فدول ألمانيا وفرنسا عاشت هذا الوضع بعد الحرب العالمية الثانية، وعاشته هولندا خصوصا منذ ستينيات القرن الماضي، وعانته تركيا جزئيا منذ سبعينيات نفس القرن.
ماذا يعني وصول عدد الشابات والشباب غير المتزوجات وغير المتزوجين ممن وصلن ووصلوا إلى سن الزواج حوالي 18 مليون نسمة؟
1- إنه يعني نصف ساكنة المغرب، وإذا نقصنا حوالي 07 ملايين التي يشكلها الأطفال والمراهقون القاصرون فإننا عدد لا يتجاوز 10 إلى 11 مليون مغربي.
2- يعني أن 18 مليون شابة وشاب إما اضطررنا أو إخترنا العزوبية وعدم الدخول في مؤسسة الزواج.
3- يعني أن هناك صعوبات و توجهات جديدة لدى شابات وشباب الأجيال الجديدة وأن توجهات القيم تغيرت في غضون 30 إلى 40 سنة الأخيرة.
ما أسباب هذا العزوف عن الزواج من الطرفين؟
- بدون شك تبقى الظروف الاجتماعية والاقتصادية حاسمة في هذا الاضطرار.
فعدد العاطلين يصل إلى 10% بحوالي مليون و123 ألف عاطل وعاطلة.
و نسبة الدخولات التي لا تتجاوز 3000 درهم تتجاوز حوالي 500ألف أجير، والأجور التي لا تتجاوز 5000 درهما تقارب بدورها 300 أجير؛ و أجور الطبقة الوسطى التي يعتبر المنتمون لها الأكثر إقبالا على الزواج في العادة في تراجع بعد سياسات التقشف الأخيرة.
- وتترجم أيضا ميولات جديدة للشابات والشباب في المغرب المعاصر منها ما يرتبط بعدم قدرة جزء منهم على تحمل المسؤولية، و تخوف جزء منهم من تجربة الزواج، وميل جزء ثالث إلى الحرية وتحرره من القيم السائدة إلى حد قريب.
- وهناك سبب ثالث مؤثر بدون شك يرتبط ب " بيروقراطية" شروط وعادات الزواج بالمغرب المعاصر.
فالشروط المالية والنفسية للزواج أصبحت، ليست فقط متعبة لمالية المقدمين والمقدمات على الزواج، ولكن أيضا مكسرة لنواياهم ورغباتهم وأحلامهم وأحلامهن.
ما هي آثار هذا العزوف على مستقبل المغرب ومستقبل الشباب والشابات؟
سيتأثر النمو الديمغرافي للمملكة في غضون 20 إلى 30 سنة القادمة، وسيعرف الهرم السكاني اختلالا واضحا بتراجع نسب الشباب النشيط لفائدة ارتفاع أوتوماتيكي للشيوخ.
بدون شك ستتأثر الدورة الإقتصادية في المغرب في 20 إلى 30 سنة القادمة، ذلك أن ناقص 09 مليون فرد، إذا حسبنا أن كل زيجة من بين 18 مليون غير متزوجين اليوم ستلد مولودا واحدا.
وهو ما يعني ناقص 9 مليون مستهلك في غضون 20 إلى 30 سنة القادمة،
ستتأثر الدورة التجارية والإقتصادية وستتضرر قطاعات تجارية كثيرة ستفقد عمال وصانعين وزبائن ومستهلكين
لكن ربما الأصعب هو:
ملايين الحقوق الطبيعية في التوالد التي ستهضم وملايين العواطف والأحاسيس بالامومة والأبوة التي لن يحسها 18 مليونا من الشباب والشابات إذا لم تتغير الأوضاع.
وبدون أدنى ملايير الإشباعات الجنسية التي ستتعطل.
ماهي التبعات الأوتوماتيكية لهذه النتائج المباشرة؟
في تقديري هناك واقع آخر موجود الآن وسيتفاقم في المستقبل،
فالمعلوم أن الجنس يلعب دورا رئيسيا في التوازن النفسي، فهو يفرز هرمونات مختلفة تساعد على الإسترخاء العصبي والذهني، بل أن الجهاز العصبي والنفسي برمته يحصن ، حسب النظريات النفسية، بمدى تأثير الحياة الجنسية النشيطة.
وفي غياب هذا الإشباع تتراكم مكبوتات جنسية ونفسية تنتج صعوبات صحية ونفسية كثيرة قد تتحول حسب التحمل والإستعداد الوراثي والنفسي إلى محفزات للإجرام ولا سيما ما يرتبط بالجرائم الجنسية والعنف و بشكل ما الأمراض العصبية والنفسية التي تؤدي إلى الإنتحارات.
ما هي الحلول التي لجأت إليها الدول التي عانت من نفس الوضع أو وضع مشابه له مرتبط بضعف النمو الديمغرافي؟
معلوم أن أغلب دول أوربا شجعت هجرة الأجانب لتقوية نسيجها الإقتصادي والإجتماعي، وشجعت الإرتباط والزواج ماديا، كما شجعت الإنجاب عن طريق الرعاية المادية والإجتماعية للأمهات، وسنت قوانين مشجعة للإنجاب متحررة من القيود الدينية إنسجاما مع توجهها في الفصل بين القانوني والديني وإستجابة لضغط الإقتصاد.
ما الذي يمكن فعله من طرف صناع القرار لتفادي الإنفجار؟
ليست هناك في الواقع حلول إستثنائية.
يمكن فقط الإستئناس بتجارب الدول التي عانت من نفس المشكل:
- توزيع عادل للثروة وعائدات التنمية مما يساعد على الإستقرار الإجتماعي
- تمويل نسبة من تكاليف الزيجات للشباب العاطل ومحدودي الدخل ( حالة هولندا وتركيا)
في حالتنا المغربية الخالصة:
- تحرير الزواج من أعبائه التقليدية من مهر وصداق وكتابة عدول وتحويله إلى زواج مدني،
وأعني بذلك،
إسناد كتابة عقود الزواج لمؤسسات إدارية أو منتخبة كمكتب العمدة أو المقاطعات الإدارية ودون صبغه بالطابع التقليدي ممثلا في كتابة عدلين.
وكذلك،
تحرير الزواج من الشروط والأعباء المالية الكثيرة للصداق والمهر و الحاجيات الزائدة عن اللزوم.
وكذلك،
تحرير الشابة والشاب المقبلين على الزواج من تقاليد وأعراف القبول والإيجاب من طرف الأبوين عبر التنصيص صراحة على إستقلالية قرار الراشدين على أجسادهم و إختياراتهم.
وأخيرا،
لا بد من إمتلاك الدولة لجرأة حقيقية في عدم تجريم الجنس الرضائي بين البالغين وغير المصحوب بالعنف، وألا تستمر في إنتظاريتها المفتوحة ومجاراتها للرأي العام وإرضائه في مخاصمة لما يفرضه حاضر ومستقبل المملكة.
تنبيه:
بناء على المعطيات الثقافية والإقتصادية القائمة في المغرب سيصعب على الدولة توزيع الثروة بعدل متناسب وسيصعب عليها قبول استيراد اليد العاملة من إفريقيا السوداء،
ولهذا فالحلول المتوفرة لها مبدئيا هي حلول سياسية وقانونية.
 

سعيد جعفر،باحث في علم الإجتماع