خمريش: مذبحة قانونية تستلزم من المجلس البلدي لأبي الجعد رفع دعوى التعويض ضد رئيس الحكومة

خمريش: مذبحة قانونية تستلزم من المجلس البلدي لأبي الجعد رفع دعوى التعويض ضد رئيس الحكومة الأستاذ عزيز خمريش (يمينا) وسعد الدين العثماني رئيس الحكومة

على خلفية القرار الأخير لعامل إقليم خريبكة بعدم التأشير على الميزانية السنوية للمجلس البلدي لأبي الجعد، التابع لنفس الإقليم، أنجز محمد عزيز خمريش هذا التحليل، الذي توصلت به "أنفاس بريس"، معقبا على القرار، ليس بصفته أستاذ القانون العام ورئيس هذه الشعبة بكلية الحقوق بسطات، بل بصفته عضوا بالمجلس البلدي المذكور. في ما يلي نص التحليل:

"التنمية بصفة عامة هي خدمة الإنسان بواسطة الإنسان من أجل الإنسان، هدفها انتشال الشأن الإنساني من لا إنسانية الفقر والجهل والتخلف، وذلك باستهداف شريحة معينة من المجتمع تعاني الهشاشة والاحتياج.. لكن هذه المعادلة المركبة لتنزيلها على أرض الواقع تتطلب العديد من المرتكزات، ومنها بالدرجة الأولى إدارة مواطنة منفتحة وكوادر بشرية مؤهلة لها تكوين قانوني متين. وبما أن المناسبة شرط، أقدم عامل إقليم خريبكة مؤخرا على الامتناع عن التأشير على الميزانية السنوية للمجلس البلدي لمدينة أبي الجعد، بما يفيد أنه قرار إداري سلبي مشوب بالتجاوز في استعمال السلطة، وليس عملا تحضيريا غير منتج لآثاره ولا يمس بالمراكز القانونية.

وبالتأصيل القانوني للواقعة، يلاحظ أنها تتعارض بشكل صارخ مع مقتضى راسخ، وهو مبدأ التدبير الحر الذي جاءت به تنصيصات الوثيقة الدستورية لسنة 2011.. وبالقراءة الاستنباطية للمادة 181 من القانون التنظيمي 14-113، يثبت بشكل لا لبس فيه أن عامل الإقليم يمارس رقابته الإدارية البعدية على مدى قانونية الميزانية بشكل حصري على النفقات الإجبارية فقط كأجور الموظفين أو الاعتمادات المالية المخصصة لتنفيذ الأحكام القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به، أو بعض الأمور الخارجة عن اختصاص المجلس. وقد زكت المادة 189 هذه الأطروحة حينما نصت على أن العامل يبسط رقابته الإدارية على الميزانية تحديدا في مراقبة التوازن بين تقييد النفقات الإجبارية وحجز المداخيل. كما أن المادة 190 ركزت على احترام المسطرة الشكلية لإعداد الميزانية على مستوى البرمجة لكي لا تكون معيبة.. ما عدا ذلك فإن آلية الإعداد والتنفيذ وتقدير سقف الميزانية اختصاص أصيل لرئيس المجلس البلدي بصفته آمر للصرف. أما بالنسبة للتكييف القانوني للنازلة فيتحدد في نظرية الغصب (اغتصاب السلطة) والاعتداء المادي على اختصاص الغير دون سند قانوني، مما يجعل منه قرارا إداريا مشوبا بالانحراف والشطط والتعسف في استعمال الحق يرتب المسائلة القضائية لجبر الضرر وترتيب الآثار القانونية الناتجة عن ذلك، بما فيها ما لحق المجلس البلدي لأبي الجعد من خسارة، وما فاته من كسب كنتيجة حتمية لما ارتكبه عامل الإقليم من مذبحة قانونية ترقى لدرجة الخطأ الجسيم تستوجب تحميله المسؤولية الشخصية والتعويض من ماله الخاص، وفقا لما ذهب إليه القضاء الإداري المصري، فالمجلس ملزم برفع دعوى التعويض ضد رئيس الحكومة ووزير الدولة وعامل إقليم خريبكة جراء اعتقال الميزانية بشكل تحكمي وما ترتب عن ذلك من أضرار فادحة نسوق منها على سبيل المثال لا الحصر:

- الفوائد التأخيرية المترتبة عن أداء أقساط المديونية للجماعة؛

- تعطيل وظيفة النفع العمومي للمرفق العام؛

- المساس بأحد المبادئ الضابطة لسير المرفق وهي الاستمرارية والانتظام والاضطراد؛

- تعطيل المشاريع المبرمجة بالمدينة مع ما ينتج عن ذلك من ازدياد التكاليف والأعباء المالية لدى الشركاء وعلاقتهم بالمقاولين؛

- إعتقال برنامج العمل (لمخطط الجماعي للتنمية) دون القدرة على إبداء الرأي والإدلاء بملاحظات واقعية محددة دقيقة ومقنعة.

تبويبا لذلك، يلاحظ أن أغلب العمال الذين يتم استقدامهم من الإدارة المركزية، والذين لا يتدرجون في أسلاك رجال السلطة لا يدبرون شؤون الأقاليم والعمالات بشكل لائق ولا يستطيعون المزاوجة بين الهاجس الأمني والإشكالات التنموية. ولا يراكمون إلا الخيبات. فعامل الإقليم منذ إسقاطه من أعلى الأعالي بخريبكة، طيلة مدة انتدابه فشل فشلا ذريعا في تدبير شؤون هذه المنطقة العزيزة من ربوع المملكة، وذلك راجع لمجموعة من الاعتبارات منها:

- الجمود والانغلاق والانكماش والحنين إلى العهد البائد، معتقدا أن العامل يتمتع بحضانة مطلقة وأنه فوق القانون، إذ فرض على أغلب الجماعات عقد دورة استثنائية لتعديل الميزانية ما عدا المجلس البلدي لأبي الجعد الذي رفض بشكل قاطع شرعنة الجهل بالقانون، وهذا ما زكته وزارة الداخلية بأن أشرت على الميزانية المعتمدة.

- منذ استقدام هذا المسؤول الترابي وهو يتفنن في سياسة الرفض والبلوكاج والعرقلة دون حسيب ولا رقيب، حتى أضحى إقليم خريبكة مقبرة حقيقية للمشاريع المجمدة.

- انعدام مؤشرات القيادة والكاريزما بمنطق علم الإدارة وعلم النفس الإداري، ومن مظاهرها تحويل المنظمة الإدارية إلى إدارة معتمة غير تواصلية تشتغل في الظلام، تأسيسا على ذلك فشعاره الوحيد والأوحد هو رفض استقبال المواطنين والمنتخبين والمجتمع المدني.

- عدم القدرة على اتخاذ القرارات في الوقت المناسب، وإحالة مجملها على الإدارة المركزية في تهرب واضح وخوف من تحمل المسؤولية، على اعتبار أن صناعة القرار كالفاكهة إذا اقتطفت قبل الأوان تكون غير ناضجة، وإذا تركت إلى ما بعد الجني تصبح فاسدة.

- أمام استغراب وذهول الجميع تم استثناء هذا المسؤول الترابي من الإعفاء والتنقيل، مما خلف استياء عميقا في نفوس الساكنة المحلية رغم أن مجموعة من العمال الشرفاء الذين تفانوا في خدمة الوطن والمشهود لهم بالكفاءة والاستقامة والنزاهة والخبرة تم عزلهم بشكل ظالم.

- طبيعة المرحلة والظروف الدقيقة التي تمر منها القضية الوطنية، والتحديات المطروحة أمام المنتظم الدولي، لم تعد تحتمل هذه العينات من المسؤولين الذين يسهمون بسلوكاتهم في إشعال الحرائق والاحتقان والقلاقل الاجتماعية باحتقارهم للمواطن الذي يتوخى إدارة مواطنة تنصت لهمومه وتسعى لخدمته بدل تخديمه في أفق الانتقال من الإدارة المبذرة إلى الإدارة المدبرة كرافعة للتنمية..

وعودا إلى السياق، فقد كان الراحل الحسن الثاني حينما يعين مسؤولا معينا في منصب سامي، يختم قوله بعبارة مشهودة "الله يجيب ليك ولاد الناس معامن تخدم". واعتبرت الباحثة التونسية رياض الزغل أن التعيين في المناصب السامية في دول العالم الثالث يتطلب، بالإضافة إلى الكفاءة، حرب المظلات والوسائط. وأقر الفقيه الإداري عبد القادر باينة ما مفهومه أن المغرب لم يعد في حاجة إلى مسؤولين ومنتخبين يتزينون ويجلسون في المنصة جنبا إلى جنب كالعروس ليلة زفافها لا يقدمون ولا يؤخرون.. ومن يعتقد عن وهم أن سياسة الاستعلاء والاستقواء ضد المواطنين كفيلة بتكميم الأفواه، اعتقاد واهم يؤجل ولا يحسم. وإذا كان الحزب الحاكم قد دمر ما تبقى من القدرة الشرائية للمواطن بسياسته العتماء، فإن بعض العمال بتوجهاتهم المغرقة في البيروقراطية والفشل والارتخاء والتزمت، يمرون على دوائر نفوذهم مرور المغول والتتار على بغداد، والمأمول من الهيئات المنتخبة المتضررة من قرارات عامل خريبكة إجراء المتعين وإتباع المساطر التي يخولها القانون، لأن بقاءه على رأس الإقليم والعدم سيان. فالتنمية لا تعني احتساء كؤوس الشاي والتهام الشواء في المواسم بقدر ما تعني الاستجابة لانتظارات المواطنين والإسهام بشكل جدي في حل الإشكالات التنموية المطروحة، تفعيلا للمقتضى الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، واعتبارا لكون هذه الممارسات تدفع بالمواطن المغلوب على أمره إلى الاستنجاد بالملك كأعلى سلطة في البلاد، خوفا من بطش الإدارة وتظلما من أمثال هذه العينات من المسؤولين الفاشلين الذين يفرملون مسار التنمية ويجرون المغرب إلى الوراء".