ليس من العدل ولا الإحسان الذي أمرنا به أن يجنح البعض إلى المال ليوظفه ليس في التنمية وفعل الخيرات بل لشراء أصوات الناخبين ولاستمالتهم بتمويل أنشطة وأعمال جعلها الله بابا للحصول على رضاه، فجعلوها نافدة لتصريف المنافع والأهواء وقضاء حاجات خاصة لا تريد الا تجهيل واستعباد الناس واستغلال الفقر الذي تسبب فيه أمثالهم ومن يشاطرهم التلاعب بمصالح الشعب والوطن.... كما ليس من العدل والإحسان أن يستعمل الدين مطية للوصول إلى السلطة والتحكم في إرادة الناس وتصنيفهم إلى مؤمن وكافر وبر وفاجر، بل وادعاء الانفتاح على "المؤمنين" استقطابا لغايات معينة ، وكأننا بهم يقولون جهرا أن الآخرين لا يعنيهم الايمان ولا الاسلام بنية التأثير في الناس وتأليبهم ضد إخوانهم في الوطن والدين.. وليس من العدل ولا الإحسان أن تفسر كل السياسات التي طبقت والتي أرهقت البلاد والعباد وزادت الشعب فقرا ، وفتحت أبواب إثراء الاثرياء والاغنياء على مصراعيه ، على أنها منجزات لا يجحدها إلا جاهل وحاقد ، حيث طال التعليم تراجع أحس به الناس فانكسرت شوكته وهيبته ، وفتحت أبواب البطالة بكل أنواعها بسبب الفشل الواضح في التنمية الاقتصادية في مختلف مجالاتها ..وليس من العدل والإحسان أن يساق الشعب وراء سراب سيكون كارثة كبرى بسبب المديونية وارتفاع تكلفة المعيشة وضعف الأجور والبطالة المتزايدة وانسداد الافاق وفقدان الثقة. إن المنكر الحقيقي هو كل ما يستقبح من قول أو فعل في السياسات العمومية التي يكون ضررها أعم وأشمل ، وتكون آثاره ممتدة لسنوات أو لأجيال ، كما أن البغي الحقيقي هو عندما تخرج مجموعة ما على عموم الناس و"الهيئات" فتكرههم على الصمت بالترهيب والتخويف والتلويح باعتبار المخالفين لهم أو المعارضين بأنهم ضد الدين وأحيانا ضد الدولة وأنهم قد يجرون البلاد إلى الخراب الذي لا يبقي ولا يذر إن لم يتبعوا ...وكيفما كان الحال فيجب القول أن بهذا الوطن أقوام ليسوا للبيع ولا للشراء ولا يمكن استعبادهم تحت أي غطاء من أي كان لأنهم ولدتهم أمهاتهم بمقتضى فطرة الخلق الالهي أحرارا ..كما لا يمكن أن يتحكم فيهم لا صاحب سلطة أو مال أو مدع امتلاك الحقائق الدينية والمعرفة النورانية بأبواب السماء ومفاتيحها المؤدية للجنة وغيرها . لهذا نقول أن كل استحقاق كان شخصيا أو وطنيا أو مؤسساتيا لا يجوز الوصول إليه بتوظيف انتهازي نفعي مصلحي للمال أو السلطة أو الدين ..فلن يسلبنا أي كان إرادتنا وحريتنا وممتلكاتنا وأموالنا وعقيدتنا ليكون وصيا عليها وعلينا ووبالا على الجميع . إن مسؤولياتنا جميعا واحدة ويجب أن نكون كلنا على نفس المسافة من مواقع إدارة أمور الحكم ..وأن نثمن مبادراتنا بأفكار ومنهجيات مختلفة ومتكاملة ومتعارضة في تدبيرنا وإدارتنا للشؤون العامة الحكومية والترابية والمدنية ... لأنه لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة ولا أحد يستطيع ادعاء الاحاطة بكل شيء علما ومعرفة يقينية ..ولأن كل ما ينتج عن أفعال المسؤولين أفرادا أو مجتمعين إيجابا وسلبا يتحملون مسؤوليته كاملة ولا يصح أن ينسب الأمر إلى القضاء والقدر، لأن في ذلك جهلا يعطل المسؤولية وحرية الاختيار والارادة والفعل وبالتالي حتى المحاسبة الدنيوية والاخروية. إن الامانة الكبرى مسؤولية عظيمة ومظاهر عدم أخذها على الوجه الأفضل وبحقها تكون بادية في أحوال الشعوب وفي مستوى عيشهم والمشاكل التي يتخبطون ويعانون منها. عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا "؛ رواه مسلم.