بعد بلوغهم سن التقاعد.. "رواد أوائل" تدريس "لغة غوته" يتوجون بالرباط

بعد بلوغهم سن التقاعد.. "رواد أوائل" تدريس "لغة غوته" يتوجون بالرباط المكرمون من اليمين إلى اليسار: الطويل، الخرباوي، العلوي وبنغانم

التفاتة بهية واعتراف بتلاوين ود وجميل عطاء لاحت بجلاء، يوم الجمعة 27 أبريل 2018، بفضاء ثانوية لالة عائشة بالرباط، في مبادرة تكريم أربعة أساتذة متقاعدين/ أسماء تركت بصماتها متميزة في الحقل التربوي ارتباطا بتدريس اللغة الألمانية على مدار سنوات طوال، على اعتبار أن المكرمين يعتبرون من "الرواد الأوائل" ومن "قدماء المحاربين" في تدريس "لغة غوته"، ليس فقط على صعيد جهة الرباط سلا القنيطرة، بل وعلى الصعيد الوطني برمته..

امرأتان ورجلان، أربعة عناوين بارزة لغزير بذل وعطاء ونبل وإخلاص في أداء رسالة التدريس والتأطير التربوي معا، على امتداد مسار مهني حافل، منذ ولوجهم مجتمعين مهنة تدريس "اللغة الألمانية" في بداية ثمانينات القرن الماضي حتى بلوغهم سن التقاعد: العنوان الأول تجسده الأستاذة نزهة الخرباوي، أستاذة اللغة الألمانية بثانوية لالة عائشة، حيث اشتغلت بالتدريس سنوات طوال، كانت على امتدادها مثالا للمرأة المكافحة الصامدة. عرف عن الخرباوي، كما يشهد بذلك من رافقها واشتغل إلى جانبها، التزامها القوي في أداء رسالتها التربوية في أبهى صورها النبيلة، وبأنها امرأة كانت تتحرك دائما، أينما حلت وارتحلت، بصفة وعنوان، عنوان عمق إنسان: "طيبوبة وسكينة والتزام"..

العنوان الثاني المتوج هو الأستاذة نزهة العلوي (مؤطرة تربوية)، التي انطلقت بداية مدرسة لـ "لغة غوته" في سلك التعليم الثانوي، قبل أن تلج في وقت لاحق مجال التفتيش بأكاديمية الرباط، راكمت سنوات طوال في النهوض بتأطير ومرافقة عديد من الأساتذة في مهمة التدريس. امرأة جمعت خصال الأدب والاحترام وتفان في العمل. نزهة العلوي، في نظر بعض من زميلات وزملاء اشتغلوا معها عن قرب، هي "نموذج المرأة العاملة والإنسانة الناجحة"، وفي رأي آخرين هي أستاذة في غاية اللباقة، سلكت درب المشوار إلى آخره وهي موشومة بصفات: "قلب الأم والجدية والأناقة"..

العنوان الثالث في عرس الاحتفاء كان هو الأستاذ عبد الناصر الطويل أو "صرامة الألماني"، كما كان يصفه بعض رفقائه في المهنة، اشتغل بداية مدرسا للغة الألمانية مطلع ثمانينات القرن الماضي بثانوية مولاي يوسف بالرباط، قبل أن يزاول مهمة "التأطير التربوي" (مفتش)، وموازاة مع ذلك أنيطت به في وقت من الأوقات أيضا مهمة تأطير الطلبة/ الأساتذة بكلية علوم التربية، فتعلم على يده كثير من الأساتذة الحاليين كيفية إدارة القسم وتقنيات التقويم وكثير من الدعائم البيداغوجية والديداكتيكية المتعلقة بتدريس اللغة. الطويل الذي دفعه عشق فريق باييرن ميونيخ لكرة القدم لتعلم اللغة الألمانية في بداية شبابه، تشرب من الشموخ البافاري "أناقة بيكنباور" في تعامله وفي مساره، وجدية الألمان في العمل، فكان له في مسيرته عنوان رفيق: "جد وصرامة وابتسامة"..

العنوان الرابع في حفل التتويج مصطفى بنغانم، "نار على علم" وسط الناطقين بلغة الجرمان على الصعيد الوطني، أستاذ جليل وفاعل جمعوي مثابر، قلب كبير ويد ممدودة، صديق الجميع. عمل لسنوات مدرسا بثانوية الليمون بالرباط، ثم مؤطرا للطلبة/ الأساتذة بالمركز التربوي الجهوي وبالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط.. اشتهر الأستاذ بنغانم بين أعضاء الجمعية المغربية لأساتذة اللغة الألمانية وبين باقي أصدقاء اللغة، بلقب "غوغل" باعتباره خزان معلومات ومستجدات تهم تدريس اللغة: "إذا غاب عنك شيء يهم الألمانية فاسأل عنه بنغانم"، هكذا كان يردد كثير من الطلبة والأساتذة في المهنة حين يستعصي عليهم شيء، فكان الأستاذ/ الإنسان بذلك طوال المسار بحق عنوانا دالا عن "سخاء وفيض حب وعطاء"..

في حفل الاحتفاء والتكريم قدم تلامذة ثانوية لالة عائشة، وهم يخلدون رفقة أساتذتهم، موازاة مرور عشر سنوات على انطلاق تجربة "مدارس شريكة للمستقبل"، التي يرعاها عبر شراكة "معهد غوته"، باقة فنية عبارة عن أغاني وعروض مسرحية فكاهية قصيرة ناطقة باللغة الألمانية نالت استحسان الحضور، ولأن المكرمين الأربعة هم من "الرواد الأوائل" قدماء في تدريس "لغة غوته"، فقد طلب منهم منسق فقرات الحفل الأستاذ محمد السعيدي، أن يرددوا جماعيا ومعهم الحضور "أغنية ألمانية" قديمة أيضا لشاعر مجهول يقول مقطعها:

"أنت لي/ وأنا لك/ هذا شيء أكيد/ أنت بداخل قلبي/ والمفتاح قد ضاع/ لابد أن تبقى دائما هناك"..

إنهم حقا هنا وهناك، أسماء موشومة في دواخل القلوب، قلوب اقتربوا منها فاقتربت منهم وأعزتهم فسكنوها وسكنتهم لن يبرحوها، وها هي اليوم تتوجهم عرفانا منها بالجميل، وتقول لهم "إنكم دائما في قلوبنا، وستستمرون معنا في ذاكرتنا"...