تدبر الشعوب والمجتمعات المدنية المحطات والاستحقاقات والنضالات السياسية والاجتماعية بضوابط معيار الرفع من سقف المطالب والإصلاح من أجل التغيير، مع الأخذ بعين الإعتبار موازين القوى وما تفرضه من تنازلات تاكتيكية أو توافقات مرحلية مع الدولة لتدبير المشترك الذي يضمن الاستقرار ووحدة الوطن في أفق استكمال حقيقي للبناء المؤسساتي والديموقراطي، كما تدبر الدولة ونخبها المراحل الانتقالية من حقبة إلى أخرى إيجابا أو سلبا لملاءمة إرادة الشعب وطلباته أو متمنياته مع إرادة الدولة التي تعمل بكل الوسائل والآليات الممكنة والمتاحة لضبط إيقاع الإصلاح ودرجة التغيير وجعل الجرعات غير قاتلة أو مفقدة للوعي أو منفلتة أهواء وسلوكا وأفعالا، حيث لا إفراط ولا تفريط ولا ضرر ولا ضرار !! وحيث تجري الأمور بإعمال “متلازمة” تفتح المجال أمام تطور وتوسع الرأسمالية والإقطاع العصريين الحداثيين واتساع نفوذهما وتأثيرهما، وتحقق إضعافا ممنهجا لقدرات الشعب بعدم حماية وتحصين مصالح الطبقة الكادحة وعموم الأجراء، مما يعتبر إشكالا سياسيا مرضيا بسبب ترهل سياسي وضمور فكري وعقلي وتحجر مذهبي رجعي لا حدود لترديه وتهوره.
إن كل الدول كانت رأسمالية أو غير ذلك إلا وتسعى لضبط الإيقاع السياسي بالطريقة المتوافق عليها مع الشعب في دول… أو التي يقبل بها دون قيد أو شرط في دول أخرى مادامت الخيارات والتوجهات تحددها الدولة أو التي تجمع بين منهجين، ديموقراطية مقننة على دفعات مع ضبط للمشهد في تفاصيله أو قد تكون الدولة هي التي تقرر كل شيء والشعب يمتثل.
وعندما نتأمل مشهدنا السياسي سنجد أن العديد من الأحزاب المغربية التي كانت تنعت بالإدارية، أصبحت بتوالي السنوات أمرا واقعا يستحضر عند مناقشة وتحليل أوضاعنا السياسية ومساراتها وعند تقييمنا بعد كل استحقاق نتائج التصويت حيث تكون المحصلة محسومة ، حكومة لا تتشكل أغلبيتها ورئاستها إلا بمعية ومباركة الاحزاب التي كانت تسمى إدارية، وأن تلك الأحزاب هي “الضامن” لاستقرار أية حكومة والمسهلة لتصريف قراراتها وقوانينها وسياساتها التي لا يمكن تنزيلها جزئيا أو كليا بدونها رغم أنها كانت مثار انتقادات وطعون واتهام يشكك في المقاصد والأهداف حيث تتهم مرة بالموالاة “للإدارة” أو جهات بالدولة التي يسميها البعض عميقة ؟. ومرة تتهم بأنها فاسدة مفسدة شيطانية النزعة تمساحة السلوك، وحتى الذين “يرأسون” الحكومة ما زالوا يطعنون في البعض من أغلبيتهم التي لا يكونون إلا بها بخطبهم الرسمية العامة والخاصة، فيتوجهون بالتلويح والتهديد إلى الأحزاب التي لم تنضو تحت لوائهم ولم تختر “تسخين” أكتاف البعض الذين يشعرون فعليا بأنهم عراة ومازالوا كذلك ما لم تقدم لهم الأحزاب التاريخية الوطنية المناضلة البيعة الحكومية حتى يستقيم لهم الأمر لاحتواء والجمع بين المتناقضات التي تأسسوا لمحاربتها كما يدعون، فهم يقبلون على سبيل الاستئناس والتقية الحداثيين والتقدميين والشيوعيين والاشتراكيين والليبراليين والريعيين والعفاريت وأحزاب الإدارة والوافدين الجدد والعدميين ما داموا طيعين منقادين وكأنهم من “أهل الذمة".
إنهم ضد كل هؤلاء لدرجة التلويح بخراب المصائر و.. أن نازعهم أي كان في أمر رئاستهم وقيادتهم لأن تلك قناعتهم، فليس لأي كان نقضها بالصناديق أو باتهامهم بالتسبب في إفلاس الأوضاع وتعطيل المصالح والتعجيل بكل أشكال السكتات التي قد تقتل أو تشل الإرادات الخيرة لزمن لا يعلمه إلا الله.
فهل يجوز إسناد الأمور إلى من تبث تعنته وتراءى سوء تخطيطه للخاص والعام وانتشرت أضرار قراراته واختياراته لتطال السهل والجبل والشاب والعامل والمتقاعد والعاطل والمعطل ذكرانا وإناثا ..؟؟
إنهم رغم ذلك مع كل تلك الأحزاب المشكوك فيها والمتهمة والملعونة بالعديد من الجماعات الترابية المحلية والاقليمية والجهوية متحالفين متآزرين يسند بعضهم بعضا ويتشاركون الصالح والطالح في الادارة والتدبير والمحصلات حيث لاوجود لخط أحمر ولا أسود.
إن حقيقة الحياة السياسية العامة وحتى الحزبية أحيانا والتي أصيبت بالانحراف والانفصام وبعض “المتلازمات” الغريبة ، أثرت بشكل كبير في فعالية مستقبلات الخطاب السياسي عند الشعب وعند النخب، حيث يطال التشويه بسبب تداخل الموجات الصوتية بشكل مدبر لـتـعم الضبابية والضجيج ولتضعف المردودية أو تنعدم ، فيحصل النفور والانقطاع عن الالتقاط والاستماع والمتابعة وحسن الفهم المؤدي لحسن الاختيار المؤسس على مراعاة احترام المصالح العليا للوطن و الشعب المادية والمعنوية.
إن ”المتلازمة” التي ذكرنا والتي تعني توالي وتلاحق وتزامن أحداث لا يأتي من ورائها إلا ما يحبط ويصيب الأجساد بالهزال ، والافكار بالرجعية الظلامية التي تقدم للناس على أنها “مصباح ” وهي في حقيقة الامر نفق لا قرار له ، نهايته “نار ” أعاذنا وحفظنا الرحمن الرحيم من لظاها الذي يحرق القلوب بالأحقاد والكراهية ويلهب الحواس كلها بكل انواع الفتن، نار استعرت منذ قرون ويأتي على رأس كل قرن أو أقل من يجدد ويحيي أوارها. ولنا علميا أن نطلق عند تحليلنا لواقعنا مجموعة من التوصيفات التي تختصر بؤس الوضع المعيش وتشخص الحالة العقلية والنفسية والجسدية والفعلية لبعض “النخب” التي تصل إلى الحكم … مثل ” متلازمة الانتخابات ” و ” متلازمة الدين والسياسة ” و “متلازمة انفصام المعتدي والضحية ” و ” متلازمة العدمية السياسية والفكرية ” هذه المتلازمات وغيرها التي تتجسد في ” تحريم الحلال وتحليل الحرام ” و”خوصصة الرخص الشرعية والقانونية ”.. و قاعدة من ” خالفنا فليس منا ولسنا منه ..ومن والانا فهو منا له ما لنا وعليه ما علينا ولو كان على غير ملتنا ونهجنا ..؟؟”
إن تحريف الانتقال وإفساد الاصلاح طوال عقود مضت بسبب الأمزجة المهترئة المتكلسة ، يؤخر نهضتنا الشاملة التي لا تهميش فيها ولا ظلم ولا استغلال ولا قمع فكري أو عقدي ولا تسلط تحت غطاء التحكم بالدين أو المال أو بعض اللوبيات المتغطرسة.
لقد تعب الشعب من التحريف والافساد وتجزيئ الانتقال وتقطير الديموقراطية ، كما تعب من انتحال بعض الساسة لصفات خدام المال أو خدام الدين أو خدام الشعب، فلنسارع جميعا إلى نبذ كل الحماقات والاعتصام قولا وعملا بما يجعل الوطن قويا بشعبه ومؤسساته.