فعلا اليسار بعيد عن تفعيل دوره السياسي والإجتماعي، وهذا موقف كان سينال اعتباره وجدواه لو صدر من داخل اليسار ، في صيغة نقد ذاتي ، من أجل الإستدراك والتقويم من داخل المعمعان ، ومع ذلك لابد من الإشهاد على أن التشخيص الذي يختزله بعض الإعلام في النتائج دون عمق الأسباب ، وان كان سريعا ، لطبيعته الصحافية ، فهو قد يلامس بعض الجوانب الموجبة لنفس الإستنتاج ،لذلك وجب التوضيح ، أن زوايا المعالجة تغلف وجود أحكام جاهزة ، وكأن الأمر مرتبط بنزوة إرادوية واختيار طوعي ، المقالات الصحافية تتحدث عن «يسارات » حكومية ومقاطعة أو جذرية ، فهل المشترك واحد وهل الملابسات والسياقات واحدة ، يبدو لي أن المقال يتكلم عن واقع الحركة التقدمية / الديموقراطية المغربية تحت تقية نعوتات مستوردة من قاموس عتيق ، يغترف من ثقافة الحرب الباردة ، وهي حيلة « أدبية » ، تروم تعميم حبر القلم بلغة الحرب ، في زمن لا صوت يعلو على صوت المدافع و صراخ المذابح في المحيط الإقليمي والدولي ، ولعل أهم فكرة أعتبرها مؤطرة لمقتضيات وخلاصات المقالات الإعلامية السريعة كالغضب أو لمجة العصرونية ، هي إنشغال بعض اليسار في « مناهضة » المد الديني وكالة عن الدولة ، متناسيا أن الأصولية ترتع هنا وهناك ، وبأن كل ما يقوم به بعض مفكري اليسار هو الدفاع الشرعي عن الوجود ضد حملات التشهير والتكفير والتخوين « الطبقي » ، ثم إن اليسار ليس بشرا فقط، بل هو فكر يتجاوز « قوقعة » التنظيمات إلى كافة الأوعية والسلطات ، فالأمر يتعلق بعدم تكافؤ الفرص وليس فقط عدم توازن القوى ، مما يؤكد مشروعية « عمليات » التقاطب والإستقطاب والإدماج والإرتقاء الإجتماعي والتناحر الطبقي التاريخية ، فلا غرابة ألا يسلم التعليم والإعلام والفن والتدين المغربي من هذا « الإعصار » المحافظ ، فكل تداعيات فكر الأنوار لم تصمد أمام المد المحافظ الكوني وبالتالي لم تقو القيم اللبرالية على مقاومة « التوحش » ولم تشذ عن سياق النيوليبرالية ، بدليل انهيار « الديمقراطيات الإجتماعية » أمام عودة النازية الجديدة في العالم الغربي الرأسمالي ، واستفحال بنات الوهابية منذ سقوط بغداد ، من بوكو حرام إلى الداعشية ، كمقصلات حقيقية للديمقراطية والتعايش والسلم والأمن الإنسانيين ، وكخلاصة فليس هناك هروب وانما تهريب للحق في الحياة الكريمة ، فلطالما طالبنا بتشكيل حكومة وطنية ائتلافية تروم السهر على تأطير الصراع الاجتماعي والسياسي وفق دفتر التحملات الذي تمخض عن تجربتي تقرير الخمسينية حول التنمية وكذا تقرير هيأة الإنصاف والمصالحة ، كثمرة تسوية سياسية وطنية شارك فيها الطيف الوطني الحقوقي والسياسي ، فلسنا بصدد العبور فقط إلى المستقبل ولكن أساسا إشراك الجميع في مهمة القطع مع ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، الذي بدونه لن نجثت جذور الاستبداد والفساد بحرب أخلاقية صغيرة بخلفية انتخابية ضيقة ، فتنويها لكل الأحزاب التي تفاعلت مع مطالبنا وقررت رد الملف الحقوقي ومعالجة تركة الماضي والتوصيات الصادرة بصدده إلى سكة جدول أعمالنا الوطني ، استدراكا لما ضاع من فرص منذ بياضات الزمن السياسي لما قبل وما بعد الحراك الفبرايري.