منذ نشأت طبقة رجال الدين وهي تحيط نفسها بطهرانية الخطاب والممارسة مستمدة ذلك من قداسة الدين الذي تنتسب إليه. حدث ذلك في الكنيسة المسيحية حيث يسجل التاريخ تورط الكثير من الرهبان والقساوسة في الرذيلة والمعصيات، من ذلك مثلا ما صار يتواتر إلى اليوم من فضائح اغتصاب الأطفال والتشجيع على الشذوذ. وحدث نفس الشيء مع فقهاء ودعاة وأئمة مسلمين كان لهم نفس القسط في ارتكاب الآثام. إننا نورد هذه النماذج لتأكيد أن هؤلاء مجرد بشر، وغير معصومين من الخطأ، وبالتالي فخطابهم وسلوكهم لا ينبغي أبدا أن يحاطا بالقداسة والإطلاقية، بل بالنسبية التي هي معيار تقييم السلوك البشري. كما لا ينبغي أن نزايد على الآخر باعتباره قديسا أو إبليسا، أو أن نجعل رجل الدين جزءا من رأسمال التدافع الانتخابي.
سبب هذا التأكيد ما يروج من نقاشات وردود فعل على هامش تورط "كوبل" التوحيد والإصلاح (الذراع الدعوي للحزب الحاكم) في فضيحة الخلوة غير الشرعية. حيث نقرأ ردودا تشكك في الرواية المتداولة وتنسبها إلى فكر المؤامرة، أو تعتبر خلوة "الكوبل" عمر بنحماد وفاطمة النجار، شرعية مادام الأمر "يتعلق بزواج عرفي في أفق تثبيته قانونيا"، والغريب أننا صرنا نرى لأول مرة من يدافع عن شرعية الزواج العرفي ضدا على القانون، ما يؤكد من جديد ولاء هؤلاء الأصوليين إلى الفقه الشرقي، كما نقرأ ردودا تحاول أن تسيس ما حدث باعتباره هجمة على "العدالة والتنمية" في سياق التدافع الانتخابي، محرفين النقاش عن صلبه الذي هو ثبوت واقعة الاختلاء في مكان وزمن مشبوه، واعتراف "الكوبل" بأنهما متزوجين بمسطرة لا علاقة لها بالتشريع المغربي. وبالنسبة إلينا، وبغض النظر عن التفاصيل التي ينظر فيها القضاء حاليا، فالمؤكد أن الحادث يشمل الكثير من العبر والمواعظ التي ينبغي أن يستفيد منها الأصوليون قبل غيرهم، وفي مقدمتها ضرورة أن يتخلى هؤلاء، وأولهم ممثلوهم في الحكومة، عن ذلك الخطاب المنفوخ عن الطهرانية والأخلاق، وعن شتم الآخرين بالفساد وبالعلمانية، وبتكفيرهم بجريرة الدفاع عن الحريات الفردية. فمن عظات ما حدث أن يتخلى هؤلاء عن ادعائهم الوهمي بأنهم الصالحون وحدهم، إذ لا فضل لمغربي على مغربي إلا بالتقوى، والتقوى هنا يوزن بموازين متعددة، وفي صدارتها صدق السلوك والخطاب.
سقط القناع إذن، ومعه انتهى زمن النفاق السياسي والأخلاقي. انتهت أسطورة حزب العدالة والتنمية الذي يقدم نفسه حزب الله الوصي على المغرب والمغاربة. انتهى سلوك الاستغلال الفج لله سبحانه وتعالى وللقرآن الكريم، وتوظيف الدين انتهازيا في الحملات الانتخابية، وتقديم سير المرشحين كما كانوا أولياء الله الذين جاؤوا ليخرجوا شعبا بكامله من الرذيلة. والحال أن المطلوب اليوم هو أن يخرجوا حزبهم وحركتهم من الرذيلة العارمة التي ورطهم فيها غير الصالحين.