تمويل المنظمات غير الحكومية بين أجندة الشعوب وأجندة أوروبا والميريكان

تمويل المنظمات غير الحكومية بين أجندة الشعوب وأجندة أوروبا والميريكان

حجم الأموال الممنوحة من طرف المانحين الغربيين أنتج طبقة محترفة في بلدان الاستقبال بفضل المناصب المالية التي خلقتها هذه التمويلات (مداومين وخبراء ومنتدبين)، حيث أضحى الأجر الخيالي الشهري الذي يحصل عليه ممثلو بعض الجمعيات «شرط وجود» يبرر «الأصل التجاري» لهذه الجمعية أو تلك، مما قاد إلى تحويل بعض «النشطاء الجمعويين» إلى زبناء لدى هذا المانح الدولي أو ذاك.

حين صرح دونالد ترامب بأنه ينوي الزيادة في ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية لعام 2018 لرفعها إلى 700 مليار دولار، وضعت كل المنظمات غير الحكومية يدها على قلبها خوفا من موت سريري، بالنظر إلى أن رفع ميزانية الدفاع ستتم على حساب ميزانية وزارة الخارجية وقطاع التعاون، وبالتالي قد تتقلص الموارد المالية المرصودة لعمل الجمعيات .

هذه الشهادة التي أدلى بها مسؤول في برنامج «ميد ميديا»، الصحفي الكندي ريال بيرنابي (Real Barnabe)  في ورشة حول الإعلام بتونس (شاركت فيها «الوطن الآن» يومي 24-25 غشت 2017) تلخص الأجندة المتحكمة في العلاقة بين المنظمات غير الحكومية والدول التي تمول. ذلك أن الممولين الدوليين (الحكومات بالأساس)، لما يمنحون الدعم لمنظمة حقوقية أو غيرها يربطون ذلك بتحديد الأهداف، وانطلاقا من تلك الأهداف تحل المنظمات غير الحكومية بالبلد المعني (أو البلدان المعنية) للبحث عن شريك محلي: جمعية محلية أو مركز بحث أو ما شاكل ذلك.

ويكفي ضبط خريطة تمويل المنظمات غير الحكومية في العقود الأخيرة لفهم العلاقة بين تحرك هذه المنظمات والأزمات المشتعلة في هذا الحوض الجغرافي أو ذاك بالعالم، كما يسمح ضبط الخريطة بفك شفرة حملة التي تستهدف البلدان.

فمن قبل كانت حملات المنظمات غير الحكومية الغربية، مركزة على أمريكا اللاتينية، بحكم أن أجندة الولايات المتحدة الأمريكية كانت تضع حكم العسكر وبارونات المخدرات في رأس قائمة الأولويات بعد أن استنفدت اغراضها من دعم الديكتاتوريات هناك.

ومن بعد توجهت هذه المنظمات غير الحكومية نحو دول المعسكر الشرقي لتسليط كشافات الضوء عنها، لأن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وضعا نسف الاتحاد السوفياتي (سابقا) في أجندتهما، وبعد ذلك ركزت المنظمات المعنية على إفريقيا، لأن أمريكا وأوروبا ضاعت منهما الأسواق الاقتصادية بسبب الزحف الصيني، والآن تتمحور حملات المنظمات غير الحكومية الغربية بالأساس على العالم العربي منذ عام 2010 إلى اليوم. وهي حملات تتخذ عدة أشكال من تحويل الأموال إلى الشريك المحلي للمنظمة الدولية بالبلد المعني إلى تكوين القادة الشباب على كيفية إدارة الأزمات وتأجيجها، مرورا بتمويل التدريب على تقنيات استعمال المواقع الاجتماعية والتكنولوجيا الجديدة وتمويل الندوات واللقاءات التي تدور حول الأقليات وما يمكن أن يخدم أجندة الدول الغربية راعية التمويل الأصلي الممنوح للمنظمات غير حكومية.

"هذه الشبكة من التمويلات الغربية -والكلام لإطار جمعوي مغربي اشتغل سابقا مع منظمات أوربية- لا تمر مباشرة من الحكومات إلى الشركاء المحليين بالمغرب أو غيره، بل تمر عبر منظمات غير حكومية أوربية أو أمريكية أو عبر وكالات هدفها خلق تشبيك بين الجمعيات في البلد المعني لتكسير البنيات القائمة (من نقابات وأحزاب) بحكم أن هذه الوسائط ترفضها أوربا وأمريكا ويفضلون العمل مع الجمعيات، وخاصة مع تلك التي تدخل في خصومة مع الموروث الجماعي لبلدها".

وكشف محاورنا -الذي طلب عدم ذكر اسمه- أن هذه الجمعيات الغربية تتناغم مع منظمات غربية أخرى تتوفر على نفس الممول من قبيل: «أطباء بلا حدود» أو «مراسلون بلا حدود»...إلخ، بحكم أن هذه الهيآت «كلها أدوات إعلامية وجمعوية وسياسية بيد أوربا وأمريكا لخنق أي دولة»، يقول مخاطبنا.

حجم الأموال الممنوحة من طرف المانحين الغربيين أنتج طبقة محترفة في بلدان الاستقبال بفضل المناصب المالية التي خلقتها هذه التمويلات (مداومين وخبراء ومنتدبين)، حيث أضحى الأجر الخيالي الشهري الذي يحصل عليه ممثلو بعض الجمعيات «شرط وجود» يبرر «الأصل التجاري» لهذه الجمعية أو تلك، مما قاد إلى تحويل بعض «النشطاء الجمعويين» إلى زبناء لدى هذا المانح الدولي أو ذاك.

وأضحى عمل العديد من الجمعيات يخضع لإملاءات الممول وليس لحاجيات وانتظارات المواطنين الذين ينتمون لمجتمع الجمعيات المعنية. والحالات لا تعدمنا للبرهنة على ذلك سواء باليمن أو تونس أو مصر أو المغرب أو السودان أو العراق وغيرها من البلدان.